طريف جدا هو العالم الجليل المؤرخ المؤلف عبد القادر ولد محمد ولد عبد القادر ولد الأمين الكمليلي رحمه الله تعالى، دفين امبلطون والمتوفى سنة 1944، وهو من أسرة أهل انديْريَّه من إكمليلن، وهي أسرة أنجبت فقهاء فضلاء وقضاة كبارا ومؤلفين مدرسين.
لعبد القادر رسالة عنوانها: “النكتة في وجوب زكاة گرته”، أي وجوب زكاة الثمرة المعروفة عربيا بالفول السوداني. وقد انتهى من تأليف رسالته هذه أواخر جمادى الثانية 1333 أي منتصف مايو 1915. وهذه الرسالة الموجزة طريفة من عدة نواحٍ:
فأولا: موضوعها الفقهي مرتبط بحياة الناس ومعاشهم وتجارتهم.
وثانيا: لما أراد المؤلف عبد القادر تحقيق مناط الحكم أي التحقق من صحَّة علَّة وجوب زكاة ” گرته” في نفسها لكون هذه الثمرة من نوع القطاني وذلك ما يحتم زكاتها دون شك، فإنه لجأ إلى الجغرافيا الاقتصادية معتمدا على كتاب “النخبة الأزهرية في تخطيط الكرة الأرضية” المنشور سنة 1903 لمؤلفه إسماعيل علي الذي كان يعمل بنيابة الاستئناف الأهلية بالقاهرة ومدرساً لعلم تقويم البلدان بالأزهر الشريف وذلك في عهد الخديو عباس حلمي الثاني. ربما تكون أول مرة يستثمر فقيه محظري موريتاني في بداية القرن العشرين بعض البحوث المعاصرة.
وثالثا: نجد في رسالة عبد القادر ولد الأمين الكمليلي ذلك الفضول البحثي الراقي وذلك الحفر المعرفي والتأصيلي الدقيق حين تحدث عن المدن السنغالية كيف سماها صاحب كتاب “النخبة الأزهرية” وكيف تسمى عند الموريتانيين.
ورابعا: يبدو أن المؤلف أثناء تأليفه هذه الرسالة كان يجالس الأديب الشهير امحمد بن أحمد يوره؛ حيث نقل في في الصفحة الرابعة من الرسالة أبياتا أربعة لامحمد وقال عند نهايتها: “انتهى من لفظه وإملائه”، مما يعني أن امحمد أنشده إياها ثم أملاها عليه. وأول الأبيات قول امحمد:
هَذَا الغَزالُ الذي بَدْرٌ مُحيَّاهُ ۞ قالتْ لَنَا الحَالُ إيَّاكُمْ وإيَّاهُ
وقد ألف كذلك عبد القادر بن محمد بن عبد القادر الأمين الكمليلي رحمه الله تعالى رسالة صغيرة في أنساب بني حسان وتوسع بشكل خاص في أنساب الخواوات (بنو اخواو بن هداج بن عمران بن عثمان بن مغفر. اخواوْ: أخو بركني وتروز). وعندي النسخة الوحيدة من هذه الرسالة النادرة بخط عبد القادر نفسه.
وإذا كانت رسالة هذا الفقيه الكمليلي تعطي قيمة خاصة لـ”گرته” وتثبت أنه تجب زكاتها شأنها في ذلك شأن الحبوب القطاني كله، فإن الثقافة الحسانية لا تعطي لهذه الثمرة ما تستحق من مكانة. فگرته في الكنايات الحسانية تقابل التمر، فالمتكلم بالحسانية يقول لمن ضحك وكان ذلك الضحك يعجبه: “التمر”، أما إذا أراد المتكلم الازدراء بالضاحك والإعراض عنه فإنه يقول له “گرته”.