دمشق - سامر محمد إسماعيل (الحياة)
يحاول الفنان السوري أسامة جحجاح العمل على مواضيع تعنى بالذوق العام في معارضه، سواء من باب الموضوع، أو حتى عبر استئناس ثيمة قابلة للرواج لاستقطاب الحشد على حساب الجمهور التشكيلي.
كان ذلك في معرضه السابق في دار الأوبرا السورية (أنا الشام- أيلول - سبتمبر- 2016) حيث لعب جحجاح على معالم العمارة الدمشقية، وأخيراً أقام معرضه «من الشام سلام لفيروز» (الآرت هاوس) وفيه أعاد الفنان السوري اشتغالاته القديمة في تقنية «الكومبيوغرافيك» مطوعاً لوحات عالمية في تقديم صور للسيدة فيروز، إذ بدا من الواضح أن جحجاح عرف أن إقامة معرض تحت هذا العنوان في مدينة تستيقظ حتى الآن على أغنيات فيروز ستكون ضربة معلم، لاسيما إذا لعب على تكوينات عجائن خاصة على سطح اللوحة التي قدمها بوضعيات مختلفة كان أبرزها لوحة «فيروز- الموناليزا»، فقد وفّر هذا التناص بينه وبين ليوناردو دافنشي، مساحةً لتصدير مشروعه الجديد.
وحضرت في اللوحات الـ17 صور لفيروز مع كل من عاصي وزياد الحباني. وتظهر السيدة كجنيّة وحورية بحر تارةً وكشخصية للنضال الفلسطيني تارةً أخرى، بينما تجري المزاوجة بين الصور المشتغل عليها بتقنية الكولاج جنباً إلى جنب مع حروفيات نافرة ولينة بخطوطها المأخوذة من عبارات في الأغنية الفيروزية، لنتعرف من جديد على ما فعله جحجاح بـ «الباب الثامن لدمشق» مُدخلاً فيروز في مواضيع حاول عبرها تغيير خلفيات اللوحات الأصلية، والذهاب نحو بيئة عربية، تماماً كما حدث مع لوحة «الموناليزا» التي جعل خلفيتها أعمدة مدينة بعلبك التاريخية.
مفارقات بالجملة يمكن تسجيلها في أعمال المعرض التي وجهت تحيتها بأسلوبية رومانسية حالمة، لا تخلو من طرافة صاغها «الديجيتال آرت» وتركت للتزييني مساحة كبرى على حساب لوحة تشكيلية يمكن مقاربتها على صعيد قيم التوازن البصري بين اللونية والخط، بل كان هذان العنصران عاملاً إضافياً لتقديم ما يشبه «فوتومونتاج» أساسه التقنية والطباعة على القماش، وتصدير «السيدة» كشعار يشجع على الاقتناء والتسويق الإعلامي.
«الفوتوشوب» والعمل على السطح بمواد وعجائن متنوعة لعب دوره هو الآخر في تحوير متداخل على العناصر المـــستخدمة، إذ ظلت النزعة الفوتوغرافية بادية في محيا «السيدة» من دون النفاذ إلى عمق الأغنيات والقصائد التي قدمتها، بل كان اللعب على تكرار الشخصية بتغيير وقفاتها وأزيائها واللعب على شعرها، ليكون حجم اللقطة أوضح بكثير من انعكاس الشخصية في نفس الرسام، فلا عالم داخلياً يمكن التقاطه لصاحبة «زهرة المدائن» بل هو الكليشيه المباشر والجاف للشخصية التي ظلت تبحث عن مؤلف وسط زحمة الألوان والعناصر والحروفيات المستنسخة من أغنياتها.
ويمكن القول إن جحجاح يركز معرضاً بعد آخر على هذه الأسلوبية من دون العمل على قيم جمالية، بل بالاتكاء على مشاهير الشخصيات والشعراء والمدن، واستدراج كمية كافية من اللطخات البصرية للخروج بتوليفة تبحث عن شرعيتها من استقائها مواضيع كبرى، ومن ثم التهليل لها وتدليلها بكوادر باذخة لربما استطاعت إنقاذ ما يمكن إنقاذه لجعل الصورة لوحة.