يدالي حسن / البراء ولد محمدن

سبت, 02/03/2018 - 00:07
يدالي حسن

بالجانب الغربي من "تنيخلف"~~ حيث استكف عراؤها بالغاب 
لعبت بها الهوج الروامس والحيا~~من كل جون دائم التسكاب 
بالجانب الغربي من تنيخلف من حيث بالغاب استَكفَّ العرا يوجد بقاس، وفي الشمال الشرقي من تنيخلف توجد لعوينات؛ منتهى إيگيدي ومبدأ العُقل، وبين هذه المرابع والآبار كانت "فرگان" من أولاد سيد الفالي تتجول انتجاعا لمواشيها قبل أن يستقر قرارها بالبتراء (التاگلالت) حيث المحاظر راسخة القدم في العراقة، وحيث أخلاق أهل إيگيدي يحملها الرجال وتغذي النساء بها النشء، لتكتمل تربيهم ويقوى عودهم على تلك الأخلاق. 
يقول المختار ولد حامدٌ في ألفيته لأولاد سيد الفالي: 
حلفت بالبيت ومن قد حج له ~~ وإن إن ليميني مكمله 
لنعم أنتم من دراري درر~~ غر وفي نص يميني ذا استقر 
صغيركم يسابق الكبيرا ~~ للمجد كي يستوجب التصديرا 
يجري له الشيخ الضعيف الواني~~ كابنين وابنتين يجريان.. 
في هذا الجو ولد سنة 1947م يدالي بن الحسن بن الكوري (اتو) بن محمذن بن سيد الفالي بن محمذن (بنيوك) بن المختار بن محمد الكريم بن الفالي بن الكوري بن سيد الفالي بن محنض بن ديمان، لأمه عيشه بنت محمذ اليدالي بن ابراهيم بن الفالي بن الكوري بن سيد الفالي. وكانت والدته تعد أعلم نساء زمانها في التاگلالت، فقد أخذت العلم عن العلامة القاضي ألمين الْسيدي ("أيمين" عَلَما) رحمه الله، كما أخذت عن العالمتين الجليلتين عيشانه وخدجانِ ابنتي البراء ولد بگي، وكان القاضي "أيمين" يرسل إليها بعض طلابه لتدرِّسهم وكانت تتقن علم السيرة النبوية إتقانا قل نظيره. 
في هذا الفضاء العلمي أتقن يدالي العربية وعلومها كما اهتم بدراسة العلوم كلها، وتخصص في علم السيرة الذي رضعه من ثديي أمه
وكالكريم في المروءة وما ~~ قارنها فنعم عقبى الكرما 
وكن كمعشر الذي نوقره~~ جميعنا فنعم قوما معشره. 
أحست والدته بنبوغه وكانت تنوي إرساله للمحظرة، ولكن أبنو ولد أبنو عبدم فطن - هو الآخر- لقدراته في مجال اللغات فقرر تسجيله في التعليم النظامي الفرنسي آنذاك. 
أتقن يدالي اللغة الفرنسية والألمانية خلال مسيرته العلمية والعملية، وكان من حسن حظ ذلك الجيل صدور قرار عن الحاكم الفرنسي في المذرذرة سنة 1955م يقضي بفتح مدرسة تعرف بمدرسة أولاد سيد الفالي، وكانت عبارة عن خيمة من "اجِّيف" تتنقل مع الحي حيث تنقل، طبع على أعلى الخيمة اسم المدرسة، وكان يدالي حسن من بين المحظوظين الذين شكلوا أول دفعة درست في هذه المدرسة. ومن حسن طالع هذه الدفعة كذلك أن أول من درسها السيد أبنو ولد أبنو عبدم رحمه الله، وتولى تدريس اللغة العربية بها القاضي ألمين الْسيدي (أيمين) قبل أن يحل محله ابنه المفتش البراء ولد ألمين الْسيدي (رحمهما الله) الذي يعتبر أول من درّس العربية بطريقة عصرية ومنهجية. 
في سنة 1960م شارك يدالي في مسابقة دخول الإعدادية بمدرسة المذرذرة ونجح بها متفوقا، وفي العام الدراسي 1960م - 1961م دخل القسم الداخلي في الثانوية الوطنية وبعد حصوله على شهادة ختم الدروس الإعدادية خاض مسابقة تكوين المعلمين وحصل على شهادة الكفاءة التربوية 1966م لكنه لم يدرّس ولم يرق له التدريس؛ فقد أغراه بريق الإعلام فشارك في مسابقة للصحافة بداية 1967م ضمن متسابقين بلغ عددهم 120 شخصا، وبعد يومين متتاليين من الامتحان في الثقافة العامة والتحرير واختزال النصوص وسلامة اللغة تأهل يدالي مع أربعة من زملائه للشفهي، وبعد نجاحه في الشفهي وجه للإذاعة الوطنية مقدما للنشرات. ولا شك أن من بينكم من سمع ذلك الصوت الجميل الآتي من خلف الغيوم ليشنف مسامع مستمعي الإذاعة بلغة موليير (Molière) وبنطق فصيح للراء الباريسية الجميلة. 
أرسلته الإذاعية للدراسة في ألمانيا مدة ثلاث سنوات حصل في نهايتها على شهادة السلك الأول في الصحافة، وبعد فترة رجع لألمانيا ليحصل منها على شهادة السلك الثالث في الصحافة، وفي سنة 1983م عمل في إذاعة صوت ألمانيا حتى 1990م، ثم عاد إليها 1996م حتى عام 2002م. 
يمتاز يدالي بتجنب الظهور والانزواء. يقول العارفون به إن له ميلا الى التصوف والزهد في الدنيا وأهلها لا يدركه إلا المقربون منه. ويقول أحد عارفيه إن من أعجب شأنه أن من رأى أريحيته ودعابته الودية اغترّ فظنه من أهل الإكثار ومخالطة الناس، لكن بعد التأمل يتضح أن المرح والدعابة محسوبان ولهما حدود، ومع أشخاص مخصوصين. 
كما أنه يكره السياسة وأهلها؛ فلا يخوض في أمورها مطلقا. 
يصدق فيه قول الشاعر:
يا بائعاً نفسه بيع الهوان لو اســـــــ ~~ ـترجعت ذا البيع قبل الفوت لم تخب
وبائعاً طيب عيش ما له خَطَر ~~ بطيف عيش من الآمال مُنتهب 
غُبنت والله غُبنا فاحشا ولَدَى ** يوم التغابن تلقى غاية الحَرَبِ
(الحَرَبُ السلب). 
لم يشارك فترة التسعينات من القرن العشرين في ركوب أمواج السياسة أوج ازدهارها والتطبيل لصناع القرار للحظوة عندهم؛ بل نأى بنفسه عن ذلك الوحل فنظرة المجتمع ابتداء من ذلك العهد إلى الصحفي فيها كثير من الازدراء؛ لأن جلهم باعوا ضمائرهم واستؤجرت أقلامهم لخدمة المسؤولين، لكن بقيت مجموعة من أصحاب الضمائر الحية من الإعلاميين خارج السرب، فكان نصبهم التهميش، ونال يدالي النصيب الأكبر من ذلك، ففضل إرضاء ضميره على إرضاء الغير. 
استفاد من حقه في التقاعد سنة 2008 ويعمل الآن متعاقدا مع إذاعة موريتانيا والتلفزة الموريتانية. 
يبقى القول إن يدالي كان ضمن الفريق المؤسس لجريدة الشعب.