السلام عليكم.. السادة السدنة...
لعلي اليوم كنتُ "هدهديا" حين أتيتكم بشعر الملكة، ملكة الشعر باتة بنت البراء..
نعم. ولـ"سليمانات" السدنة أن يختبروا وقد اختبروا.. فكانت باتة شاعرة الشعر والحكمة والروح والحب والعروبة والوفاء والأنثى والضوء إذا يغشى.
لقد تغنتْ بكل مآثرنا، وأعادتْ تشكيل مشاعرنا إزاء مدن الذاكرة ونساءِ اللواء، ورجال السيف وخيول الصهيل، وعزة النخيل.
أذكر باتة في كثير من المشاهد والمنابر... ولكن ستبقى صورتها مخزنة في ثلاثة مشاهد.
المشهد الأول، وهي تمشي مختلطة بأشعة شمس بغداد ورقرقة الماء على شاطئ دجلة وذلك النسيم الذي يحاول التلاعب بطرف الملحفة، ويكون المشهد أكثر غرائبية وسحرا لمن عاش في المكان حين يطل أي شخص فيجد نفسه بين نافذة مزدوجة تتشابك فيها زرقة السماء المختلطة مع زرقة النهر من نافذة "فندق بابل".. ذلك النهرُ هو التاريخ كله.
كان زمنا يستعيد رائحة الرشيدِ، وكانت بغداد العظيمة، وصدام المجيد، وتجربة "صواريخ التقاطع" ومربد الثلاثة آلاف شاعر من أنحاء العالم، وكفى بأجواء عبقة بحضور نزار، درويش، الفيتوري، رعد بند، عبد الرزاق عبد الواحد، وقائمة العظماء...
المشهد الثاني كان في الرياض، في مهرجان الجناديرية، وأذكر أن عبد الوهاب البياتي كان منبهرا بذلك الألق الذي ظهرت به شاعرتنا على المنبر.. وكان مأخوذا وهو يحدثني عن دهشته بلغة وشعر وفصاحة وحتى ملحفة هذه المرأة العربية القادمة من آخر صحراء العرب.. كانت مميزة حتى في ملحفتها.
حضر ذلك المشهد عشرات الشعراء... الراحل العظيم كابر هاشم، ومحمد ولد عمرُ أطال الله بقاءه وشوقي بزيغ، وكان صعبا لفت الانتباه في ظل قامة كالجواهري.
أما المشهد الثاني فهو في شعر هذه المرأة.. في القصيدِ ذاته... يكفي أنها تقيم أعراسا للشفق في شفتيها.
ولأني لا أملك صروح القوارير الممردة، ولا "متشابه العزة بملك".. فإني أنا هذه المرة منْ يبايع و"يؤمن شعريا" على يد الملكة أدامها الله عطرها.
كم أنت عظيمة أيتها البابلية القصيدة، أيتها الشامية الكبرياء، القرشية الموقف، المحمدية الأبجدية.
أنت بنت البراءِ حفيدة القلم والدواة.. فإذا تشابهَ في ظلك الحبر والكحل فتلك الحدود التي تختصم فيها المجرات.