بين الحاء والباء.. / أدي آدب

اثنين, 06/04/2018 - 22:25

بين الحاء والباء
في "عصر عولمة الكراهية" هذا،  وغلبة دوي طبول الحرْب، على دبْدبات طبول الحُب، وسيادة السياسة الفاصلة، على الثقافة الواصلة، دعونا نستحضرُ- في هذا الشهر الكريم- أنَ ديننا دين المحبة والتسامح والتواصل، وأنَّ إشاعَةَ الحُبِّ الجَميلِ هي أفْضَلُ تِرْيَاقٍ لِمُكافَحَةِ سُمُومِ الكَراهَةِ الفَتَّاكَة، وغَازَاتِها المُتَفَشِّية السامَّة؛ فالحبُّ هو منْبَعُ الرحْمة، والرحْمة هي سرُّ التعايُشِ الكوْني، وهذا التعايشُ، هو شرْطُ استمْرار الحياة، وتنامِي الحَضارات، وهو أنْبَلُ، وأسْمى، وأقدسُ، وأشمَلُ، من أنْ يُخْتزلَ، في الشَّهَوَات الذاتية الجامحة، والغرائز الجَسَدِية المُسْتَثَارَة، إنَّه -باخْتصارٍ- شعورُنا الفطْري بالانْجذابِ الغَلَّابِ إلى كل ما نراه جميلا.....
وانطلاقا من هذه العَتَبَةِ، أدْعوكم إلى فسْحة تتنفَّسُون فيها جَوًّا إنسانيا، روحيا، نقيا، عبْرَ "رحْلَةٍ بيْن الحاءِ والباءِ"؛ كما عَنْوَنْتُ أوَّلَ دواويني؛ فالكوْنُ على سعَتِه، وتعْقيدِ ترْكيبِه، يُدُورُ بيْن هذيْن الحرْفيْن الصغيريْن العظيميْن، والحياة ينبغِي أنْ تكونَ -فعْلا -رحْلة بيْنهما، فهناك ينبغي أنْ نركبَ جميعا في فُلْكِهَا، ونقول: "بِسْمِ اللهِ مجْرَاهَا وَمرْسَاهَا":
شاطِئا بَحْــرِ الحُـبِّ: حَـاءٌ.. وبَــاءُ
بَيْنَ هَذا.. وذاك.. سِـرٌّ.. فضَــــــاءُ
بَيْنَ ذيْـنِ الحَرْفيْنِ.. رحْلَةُ تــــــوْقٍ
خائـضُـوها العُشَّـــاقُ.. وَالأوْلــياءُ
كـلّمَا لاحَ.. بالتّجَـــلِّي.. جَـمَــــــالٌ
أقلعُـوا.. حيْثُ مَـا هُناك انْتــهـــاءُ
فالحقيقة أن هذين الحرفين يختزنان ملحمة الوجود، وبقراءتهما – بعمق- نكتشف أسرار الحروف المتفاعلة في سفر الحياة، ونواميس الطبيعة:
الحُبُّ.. مَلْحَمَةُ الحَــيَـــاةِ.. وسِـــرُّهـا
فَتَهَجَّ.. تَـوْقَ "الحَـاءِ".. نحْوَ.. "البَـاءِ"!
حَرْفانِ.. بيْنَهُمَا الحُـــرُوفُ.. تفاعلتْ
فـازْدَانَتِ الأفْـــعَـــــــالُ.. للأسْـــمَاءِ!
الكَوْنُ.. بيْـنَهُـما.. يُنَـــاغِــمُ نَبْــضَــهُ
فهُـمَا الهَــوَاءُ.. المَـــاءُ.. للأحْـــيَــاءِ!

وهكذا دعوت دائما لأنْ تكونَ- الآن- حربُنا المُقَدَّسَةَ ضد "راءِ" الحرْب نفْسها، لتدْميرِ برْزَخهَا المُعْتَرِضِ بيْنَ حرْفَيْ الحُبِّ، حتَّى يلْتَقِيا على أمْرٍ قُدْ قُدِر، ولنْ يكونَ ذلك إلا بإشاعة "الحاء والباء" بين الناس، عُمْلَةً رائجةً للتعامُل الإنساني، وهديةً رمْزيةً بيْن الناس، في كلِّ المُناسباتِ، إعادةً للاعتبار الذي انتزعتْه منْهما، سُلْطَةُ القيم المادِّيةِ الطاغية:
أيَا أصْــدِقـــــائي.. يا جَمِـــــيعَ أحِبَّـــــــائِي
لكمْ.. منْ هَــــدَايَا العِيدِ.. حَــــاءٌ.. مَعَ البَاءِ!
فلا تَسْتَقِلُّــــــوها.. هُـــــمَا كُلُّ ثَــــــــرْوَتِي
إذا.. بِهِمَا.. أُغْنِي الدُّنَــــا.. زادُ إِثْــــــرَائِي!
وَبَيْنَهُــــــما.. تَحْلُو الحَيَـــاةُ.. وتَـــــــزْدَهي
إذَا زالَ راءُ الحَــــ ـرْبِ.. أُفٍّ عَلَى الـــرَّاءِ!
أجلْ.. هيا -معا- نعلنُ "تحالفَ الحضارات"- في الحرْبِ الكوْنية المُقدَّسة- ضد راء الحرب:
إنِّي أحَارِبُ رَاءَ الحْرْبِ مُذْ زَمَنٍ
لأسْقِطَ الحَدَّ.. بيْنَ الحَاءِ.. والبَاءِ
الحُبُّ.. سِرٌّ.. عظيمٌ.. مَنْ تأبَّطَهُ
تَمَلَّكَ الحَاءَ.. بيْنَ السِّينِ.. والرَّاءِ!
 وهنا سنعيد رسْمَ خرائطِ أوطانِ المَحَبَّةِ، بدَلَ خرائط الوجَع، المصْبوغةِ بلوْن الدم، والدمار الشامل، ونرحل- بأمان- من "الوطن المُسَجَّى" إلى "الوطن المُرَجَّى":
هُـنَا وَطَنُ الْمَعَانِي.. وَالأمَـــانِي
جِنَانُ الخُلْدِ.. والأوْطـــانُ بُــــورُ!
وَمِنْ "حَاءٍ".. نُسَافِرُ.. نَحْوَ "بَاءِ"
وَرَاءُ الحَرْبِ.. بَيْنَهُمَا.. كَسِــــيرُ!
هذه سبيلي "أدين بدين الحب"، وحتى في الحوار الافتراضي الذي بنيْتُ عليه قصيدة «هذا أنا»، رددتُ على شرطة الإبداع، حين استجوبتني عن محطة الإقلاع، ووجهة رحلتي، ومهنتي:
من أين جئت؟                          
وأين تمْضي؟                          
إنني أدْمَنْتُ-مذْ فَتَحَ الوجُودُ عليَّ عيْنَيْه-الرحيلَ..                               
أطاردُ المَعْنَى..                      
فمِنْ حاءٍ.. إلى باءٍ..  
ومِنْ باءٍ..إلى حاءٍ..                            
تُـطَوِّحُ رِحْلَتِي..                     
ما أوْسَعَ الآفاقا!
*****
ما مِهْنةُ الصعْلوكِ؟
أكتبُ أحْرُفًا..
مهما تَعَدَّدَ شكـْـلُهَا
حاءٌ.. وباءٌ.. أصْـلُـها..
لامٌ.. معَ الألفِ.. المَدِيدَةِ.. فَصْـلُها..
لم تمْتَهِنْ – للظالمينَ- نِفَاقا!

إنَّ إيماني بسر ّهذيْن الحرفيْن جعَلني أوصِي بأنْ يُجْعَلَا شاهِدَتَيْ قبْري- فِي السَّمَاء- تسامِيا بهما، في الحياة، وحتى بعْد الممات:

"إذا متُّ.. فـــــادْفِــــنِّي".. بأجْـــمَلِ غيْــمَةٍ
ورُصَّ.. عَـــلَى قــبْري.. السَّمَاويِّ.. أنْجُـمَا
وضَعْ.. عنْد رأسي "الحَاء".. شاهدة.. وضعْ
لدَى قدَمَيَّ.. "البَـــاءَ".. إنِّي هُــــمُا.. هُـــما!
وخَلِّ تُــــرَابِي.. للتُّـــــرَابِ.. فَطـــــــــالَـمَا
سَمَتْ.. تَبْتَغِي.. رُوحِي.. إلَى الأوْجِ.. سُلَّمَا.