نظم بيت الشعر - نواكشوط مساء أمس (الخميس) أمسية نقدية حول "التناص في الشعر الموريتاني" حاضَر فيها أبو بكر احميد، وقدمها الشاعر الأمجد محمد المامي، فيما شهدت الأمسية مداخلات قيمة من طرف الأستاذ الدكتور عبد الله السيد مدير بيت شعر نواكشوط، والأستاذ يحيى الطيب، والأستاذ أبوبكر سيديا، وهي المداخلات التي يمكن اختزالها بأنها إثارة لجملة من الأسئلة الجوهرية حول مفهوم التناص، وتبلوره في النقد، وأهميته ضمن النظريات النصية الحديثة، وعلاقة النصوص ببعضها وما تحتاج العملية الإبداعية من تراكمات تستدعي مرجعيات مختلفة، سواء أحس بها الشاعر أم لم يحس.
وكان الحضور قد استمع إلى المحاضرة المركزية التي قدمها الدكتور أبو بكر احميد حول التناص في الشعر الموريتاني.
والدكتور أبو بكر احميّد، خريج جامعة دمشق بدرجة الدكتوراه في اللغة العربية (تخصص دراسات أدبية) وعمل أستاذا منتدبا للغة العربية والأدب العربي بجامعة هاي لونغ جيانغ – الصين، كما عمل رئيسا لقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة العيون - موريتانيا، وله دراسات وبحوث قيمة من يبنها "دراسة نقدية لرواية مدينة الرياح للكاتب الموريتاني موسى ولد أبنو" و"حضور فلسطين في الشعر الموريتاني المعاصر" و"حضور التراث الأدبي والعلمي في الشعر الموريتاني".
الدكتور أبو بكر احميّد في محاضرته مساء اليوم تحدث عن مفهوم التناص، وأسهب في تعريفه منطلقا من معاجم اللغة، والدلالة في أصول الفقه، والنص في نظرية القانون، موضحا فنياته في عدة محاور تفصيلية مثل "التناص: دخول نص في نص"، و"تأثير النصوص القديمة على النصوص الحديثة"، و"التناص رجوع للتراث"، مذكرا بشكوى بعض شعراء الجاهلية من قلة فرص الإبداع في الشعر، ومثال ذلك تقليد امرئ القيس لابن خذام في البكاء على الأطلال:
عوجا على الطلل المحيل لعلنا
نبكي الديار كما بكى ابن خذامِ
وكذلك عنترة بن شداد حين سلك المنحى ذاته قائلا:
هل غادر الشعراء من متردم
أم هل عرفت الدار بعد توهم
كما تطرق المحاضر بعد ذلك للتناص في القرن الرابع الهجري ضاربا المثل بالإبانة عن سرقات المتنبي، مذكرا بأن ابن العميد أشار إلى 100 بيت من شعر أبي تمام هي من سرقات المتنبي.
وفي مجال التناص في الشعر الموريتاني، قال أبو بكر احميد "كان الشعراء الموريتانيون القدامى يتكؤون على أشعار الجاهليين؛ لأنها تمثل عند المجتمع الشنقيطي القديم غاية البلاغة والإبداع، حتى أن البعض كان يدرس الناشئة أشعار العرب قبل القرآن لبناء ملكة الفصاحة، وربما صيانة للقرآن من اللحن".
وفصّل المحاضر في مستويات التناص في الشكل: المقدمات، الأساليب، الألفاظ، ضاربا أمثلة على ذلك من شعر محمد بن الطلبة ومحمد بن حنبل الحسني، وهو تناص يعيد إلى الأذهان بعث الأساليب الشعرية القديمة.
بعد ذلك تطرق المحاضر للباحثين الموريتانيين في مجال التناص، ذاكرا بالخصوص الدكتور أحمد جمال بن الحسن في كتابه "الشعر الشنقيطي في القرن الثالث عشر الهجري: مساهمة في وصف الأساليب"، والدكتور عبد الله محمد سالم السيد في مؤلفه: "المعارضة في الشعر الموريتاني: مدخل لدراسة الاحتذاء عند شعراء القرن الثالث عشر الهجري"
وفي ختام عرضه تطرق الدكتور احميد لأصناف التناص: الإحالي، اللغوي، الغرضي، الأسلوبي، وتطبيقاتها على الشعر الموريتاني، مؤكدا أن شعر الموريتانيين لم يكن يخضع للمناهج النقدية والمدارس الأدبية؛ فكانوا يقرضون الشعر دون دراية بالتصنيف النقدي والنظريات الحديثة.
هذا وحضر هذه الأمسية جمع معتبر من الشعراء والمثقفين وطلاب الجامعة.