الفلاسفة وقراءة الشعراء / إبراهيم الأندلسي

أحد, 12/02/2018 - 16:07

 

يقول الفيلسوف الكبير
‏غاستون باشلار:

"‏كمْ  سَيتَعَلَّمُ  الفلاسفةُ  لوْ وَافقوا  على قِراءةِ   الشُّعراء ! "

ما يَجْمَعُ الشعراءَ و الفلاسفةَ  يُشبه كثيرا ما يَجمع اليأسَ و المَرح، و ما يَجمع الجِدية الحادَّة  باللامبالاة ، و رغم ذلك قد يُوجَد تناغمٌ  بينهم في بعض الأحيان ، أو تأجيلٌ مُحدَّدٌ لتلك الحروب الوهمية و الشعواء في الوقت ذاتِه .

حين يَنظر الشاعرُ  إلى باقة الورد و قد صُفِّفت فوق الطاولة و شُذبت كأحسن ما يكون  التَّنْميقُ  و التّحويرُ  ، يرى فيها حُلُمه و لوحاته الخيالية، و يرى انعكاسَها في خدودٍ  لا تَعرِفُ التّجاعيد، خدود تُوَزِّعُ  البَسمات على فَراشات البَساتين الطائرة .
يرى الشَّاعرُ تناغمَ الألوان و كَرَم الطبيعة ، و صُدَف الأوقات، و في سِباحته تلك يَنسى آلامَه و همومَه و حتى حُضوره الحالي ، فيَعتقِد أن جميعَ  المَوجودات تَتَحدَّثُ و تَنظر إلى الباقة بإعحاب كبير، و الباقةُ بدورها تَنْتَظِر التَّصفيقَ الحار َ و كأنه  في مَشهد مَسرحيِّ  حَيِّ يَتمتَّع أصحابُه بجُمهور صادق، يمتلك ذائقة نابضة بالحياة و الفرح.

مِن نفس الزاوية  يَنْظُر الفيلسوفُ إلى الباقة و يَتَعجَّبُ  من طَمْس العلاقة مع الجُذور ، ذلك الذي يَدخُلُ في مُسَلَّمات نُكران الجَميل ، و الانتصار للوقت الراهن و التّشبث بواقع خادع.
يرى الفيلسوف ذلك المالَ المصروفَ على وَهْمٍ  سينعدِم  خِلال  ساعات أو يوم على أطول الآجال ، فيُشبِّهه بشراء نُكْتة تنتهي عند آخر فَتح  للشفتين، و لا يبقى منها شيءٌ بعد ذلك ، ويَعتقِد أن هذا النوعَ هو هَدْرٌ للموارد في فَراغ العَدم الدائم، في حين يَتضوَّرُ آلاف الأحياء جوعا.
 يرى الفيلسوف عَرقَ ذلك البستاني مُتشقق اليدين و جَمال تلك التُّرْبة التي تَعرَّضَت للضربات و الخُدوش بآلات حادة ، و كميةَ  الماء الرقراق التي ضاعت دون أن تَلِد حَبّةَ  قمحٍ مُتجعدة صفراء.
فماذا سيستفيد الفلاسفة من قراءة الشعراء ؟
و هل التعارض بينهم حقيقي؟
و هل الأمر يشكل مُشكلة فعلا ؟

كان غاستون باشلار قبل مقولته هذه يَتَحدثُ عن الصحراء برمالها  الجافة و كيف أنه في لحظة شاعرية طائفة غَمَرَها بالماء ، حتى أنه أصبح يَخافُ عليها من الغَرق!
 إنها السباحةُ الجميلةُ  التي لا تُكلِّف المالَ و لا حتى الحركةَ، بل يَكفي أن نُغمض العيون، أو نشخص  بالبَصَرِ نَحوَ  السماء الصافية.

يَتوافق الشعراءُ و الفلاسفةُ  حين يُنَظِّرون للمستقبل، للمجهول المُدهِش ، للأمل المحبوب، لكن ذلك التَّوافقَ  لا يَعني التَّطَابقَ و لا حتى الخطَّ المُشتَرَكَ ، فحتى الفلاسفةُ لا يَنْظرون بعيون مُتوائمة مع غيرها دائما داخل البيت الفلسفي الواحد.

يَستفيد الفلاسفة  من قراءة  الشعر راحةَ مُحارِب، و لحظات من الجَمال تُساعِدُ على التّحديق الطويل في مَتَاهات عميقة داخل مَجابات مُظلمةٍ يُريد العقلُ دخولَها دون وُجود خرائطَ و لا حتى تصوُّرات أوليّةٍ مُساعدةٍ، و هو أمرٌ يُشبِه التّغافلَ  قليلا ، أو سُكونَ الصّياد ، الذي يُعتبَرُ مُحاولةً لقراءة تَصَوُّرِ الفَريسة حتى لا يَفرِض عليها تَصَرُّفا آخَرَ قد لا يكون مَفْهوما عنده،
و ربما يقول الشعراء  ما يُفيد أن الفلسفة َ و الشعر َ من حَواسِ الثقافة فلا يَسُدُّ  أحدهما  ثَلَمَ  الآخر  و لا يُمكْنُه الصُّمودُ بدونه،
 و لكلِّ ذلك وَجهُ مَنطِقيُّ  يَحمِل الشّكَ في جِرابه المَثقوب !.