صحيح أن الإنترنت والتقنية سهلت على المؤسسات الخيرية عملية جمع التبرعات، لكنها أيضاً سهلت الأمر على المساهمين والمتبرعين أيضاً، ووفرت لهم طرق ووسائل سهلة وسريعة لإيصال المعونات للمحتاجين سواءً ممن هم في نفس القُطر أو في أطراف الأرض.
لكن ما نحن بصدده اليوم ليس التبرع بالمال، بل التبرع بالصوت، نعم الصوت الذي تتحدث به، الصوت الذي يمتلكه الغالبية الساحقة من البشر اليوم، الصوت الذي هو الهبة الربانية التي تعطى لجميع الناس، غنيهم وفقيرهم، وها هي التقنية اليوم تعطينا طرق مبتكرة للتبرع بالصوت، حتى يتمكن من ليس لديه إلا صوته، بأن يتبرع ويساهم ويتذوق طعم العطاء.
فيما يلي سنذكر لكم 3 طرق عملية للتبرع بالصوت، قد يكون الأمر غريب أو غير معروف، لكنه موجود، وما أكثر العجائب الموجودة في عالم الانترنت الذي لا تنتهي غرائبة، ولا يُمَل من سماع فوائدة، وهذه المقالة هي أحد تلك الغرائب الغير متوقعة، فهيا بنا لنستكشف هذا الأمر.
التبرع بالصوت
لو بحثت في الانترنت وفي المحتوى الإنجليزية بعبارة (Voice Donation) لوجدت بعض الصفحات والمواقع المفيدة في هذا الخصوص، لكننا هنا سنتوسع في الأمر وسنغطي أنواع أخرى من أنواع التبرع بالصوت والكلام، حيث سنغطي ثلاثة تصنيفات تحت مظلة هذا العنوان العريض:
(1) التبرع بالصوت من أجل التعليم
(2) التبرع بالصوت من أجل التطوير
(3) التبرع بالصوت من أجل الإنسان المعاق
التبرع بالنطق لمساعدة متعلمي اللغات
قبل فترة قمت باستعراض ومراجعة أحد المواقع العريقة والمساعدة في مجال تعلم اللغات عبر قناة اليوتيوب، لقد كان (موقع تتويبا)، المنصة المجانية التي تحتوي على ملايين الجمل متعددة اللغات، أي شخص يمكنه أن يضيف جملة في لغته الأم، ويأتي شخص آخر من لغة أخرى ويترجم الجملة إلى لغته، حتى يصبح للجملة الواحدة عشرة أو عشرين ترجمة، وكله عبر مساهمة الأعضاء والمستخدمين العاديين، وهكذا على مدى السنوات الماضية نمت تلك المنصة حتى أصبحت اليوم علامة بارزة ومصدر مهم لكل من يتعلم أي لغة أخرى.
يمكن لأي شخص المساهمة بإضافة أو ترجمة جمل جديدة، أو إضافة نطق صوتي لأي جملة، وهذا النطق الصوتي سيساعد كثيراً من يتعلم لغتك بأن يقرأ ويستمع للجملة في نفس الوقت، فيتعلم النطق من مصادره الأصلية، ومن هنا تأتي فكرة التبرع بالصوت، يمكن لأي شخص من أي لغة أن يساهم ويختر ما يريد من جمل متوفرة ليس لها نطق صوتي، بأن يسجل نفسه وهو يقرأ الجملة ثم يرفعها إلى الموقع عبر آلية معينة، كي يساعد من يتعلم اللغة العربية عبر هذا الموقع المجاني.
يمكن الذهاب للموقع عبر هذا الرابط، كما يمكن القراءة أكثر عن المساهمة بنطق الجمل والعبارات –عبر هذه الصفحة -، علماً أن الموقع مجاني وغير ربحي، والمحتوى فيه متاح تحت رخصة المشاع الإبداعي.
أيضاً؛ هنالك موقع ومنصة مشهورة، متخصصة في تقديم النطق الصوتي للكلمات والعبارات القصيرة لمن يتعلم اللغات الأجنبية، ليس فقط في اللغة الإنجليزية، بل في لغات كثيرة منها العربية، أنه موقع “فورفو” (Forvo)، ويمكن التسجيل ثم المساهمة بنطق الكلمات والعبارات العربية، حتى وإن كان هنالك نطق صوتي سابق لها، فالموقع يحاول جميع أكبر عدد من اللكنات والأصوات من مختلف أنحاء العالم (أنقر هنا لمعرفة اللغات المتوفرة، أو هنا للمساهمة في نطق الكلمات العربية).
التبرع بالصوت لمساعدة مجتمع البكم
بينما كنت أستمع لحلقة من حلقات البودكاست الماتع والشيق (TED Radio Hour)، والذي هو عبارة عن مقابلات مع بعض محاضري منصة تيد، وحوارات قصيرة معهم حول أفكارهم وإنجازاتهم، وقد قام المقدم في الحلقة المعنونة بـ(Extrasensory) بإجراء حوار مع امرأة تسمى (روبل بَتِل) خبيرة الأصوات التي قدمت محاضرة عبر منصة تيد، وتحدثت فيها عن الهوية الصوتية، وكيف يمكن مساعدة المعاقين ممن هم غير قادرين على الكلام، بأن يكون لهم أصواتهم الخاصة عبر الحواسيب، بدلاً من الأصوات المتشابهة والمستخدمة من قبل ملايين البشر حول العالم (مثل الصوت الذي كان يستخدمه العالم الراحل: ستيف هوكنق).
لقد أمضت “روبل” حياتها في سبيل هذه الفكرة، وخلال السنوات الماضية أطلقت مع فريقها موقعاً خاصاً (VocaliD) والذي يقدم عدة خدمات منها المتعلق بمساعدة البكم في خلق صوت آلي قريب من شخصياتهم ومن أصواتهم الأصلية، لكن من أجل تحقيق ذلك الهدف يجب أن يكون هنالك متبرعين بأصواتهم، حتى يتمكن النظام من دمج صوت المتبرع مع النغمات والأصوات البسيطة التي يمكن لحنجرة المعاق أن تصدرها، ومن ثم تكوين صوت جديد مخصص لمن يحتاج إليه.
الموقع يحتوي على صفحة خاصة بتسجيل المتبرعين، هنالك أكثر من 25 ألف شخص قاموا بالتبرع بأصواتهم، ويمكن لأي شخص إنشاء حساب جديد ثم البدء في العملية التي قد تستغرق عدة ساعات، سيعرض عليه البرنامج جُمَل وعبارات إنجليزية بسيطة، أو فقرات كاملة، وعليه أن يقرأها بصوته العادي ويسجل نفسه عبر المايكروفون، اللغة المتاحة هي الإنجليزية، لكن حتى غير المتحدثي الأصليين بها؛ مرحب بهم.
تم تسمية هذا المخزون الكبير بـ(بنك الأصوات البشرية) أو (The Human Voicebank)، عبارة عن قاعدة بيانات كبيرة متاحة للبكم ممن يريدون الحصول على أصوات جديدة مناسبة لهم (بمقابل مادي وليس مجاناً)، سيتمكنون من الاختيار من بين جميع الأصوات للحصول على صوت مناسب لهم، فيما ستبقى معلومات المتبرعين والمستفيدين غير معلنة للمحافظة على الخصوصية، لكن يجب العلم أن هذه المؤسسة هي مؤسسة ربحية، تقدم خدماتها لمجتمع البكم مقابل رسوم شهرية أو سنوية وليس بالمجان، كما تقدم خدمات أخرى في مجال التحويل من النص إلى الكلام (Speech to Text).
كانت تلك وسيلة من وسائل البذل والعطاء، وحتى وإن كنت غير مقتنعاً بأي طريقة مما سبق، يكفي أن تأخذ فكرة عن هذا المجال والجانب الذي قد يكون غير ظاهراً للعيان.