طارق قابيل
يقول فريق من الباحثين إن الغالبية العظمى من المشاركين في أبحاث الجينوم منحدرون من أصول أوروبية، وإن معظم الدراسات المتعلقة بالارتباط الجيني بالأمراض أجريت على الأوروبيين، وهذا يعيق البحوث الطبية الحيوية، ويفقدها المصداقية العلمية.
ويؤكد علماء الجينوم أن أبحاث الجينوم البشري لديها تحيز كبير إلى الأشخاص من الأصول الأوروبية، وقد يكون لذلك عواقب وخيمة من حيث كيفية تفسير البحوث ومتابعتها، ولا يمكن للعلماء الاستمرار في تجاهلها.
وتقول الإحصاءات إنه اعتبارا من العام 2018، كان الأفراد المدرجون في دراسات الارتباط على نطاق الجينوم "غواس" (GWAS) قرابة 78% منهم أوروبيين، و10% آسيويين، و2% أفارقة، و1% إسبانا، وأقل من 1% من جميع الجماعات العرقية الأخرى.
مدمر وغير عادل
تقول عالمة الوراثة التطورية سارة تيشكوف من جامعة بنسلفانيا إن "ترك تجمعات سكانية كاملة خارج الدراسات الجينية البشرية مدمّر وغير عادل علميا". وتضيف "قد نفتقد المتغيرات الجينية التي تلعب دورا مهما في الصحة والمرض بين السكان المتنوعين عرقيا، والتي قد تكون لها عواقب وخيمة فيما يتعلق بالوقاية من الأمراض وعلاجها".
وراجعت تيشكوف وزملاؤها الآلاف من المنشورات المدرجة في قائمة دراسات الارتباط على نطاق الجينوم "غواس" للخروج بأرقام حقيقية من واقع الدراسات البحثية، فضلا عن تحليل المخاطر الجينية في قضايا صحية معينة مثل أمراض الكلى وانفصام الشخصية.
ويجادل الفريق بأن تطبيق النتائج على المخاطر الجينية للأوروبيين قد لا ينجح بالضرورة في غير الأوروبيين بسبب الاختلافات التي انتقلت عبر التاريخ التطوري، حيث نشأ البشر وانتشروا في أنحاء متفرقة من العالم عبر مئات الآلاف من السنين.
وعادة ما ترتبط بعض الأمراض الوراثية بمتغير في جين واحد، لكن بعضها الآخر مرتبط بالعديد من الجينات المختلفة في الوقت نفسه، فضلا عن العوامل البيئية، وهنا يصبح نقص مجموعة عريضة من العينات غير المتحيزة مشكلة حقيقية.
يقول سكوت وليامز من كلية الطب بجامعة كيس ويسترن ريزيرف في أوهايو "يُحتمل أن يؤدي عدم وجود تنوع في دراسات الجينوم البشري إلى تفاقم التفاوت في مجال الصحة".
ويفسر الأمر بقوله "مثلا، يتم تطوير طرق للتنبؤ بخطر الإصابة بأمراض مثل مرض ألزهايمر أو مرض القلب أو مرض السكري، بناءً على الحالة المرضية وارتباطها بالجينات المتعددة. لكن مثل هذه الحسابات التي تم تطويرها بناءً على أدلة من السكان الأوروبيين في المقام الأول قد لا تنطبق على أشخاص من خلفيات عرقية أخرى".
يقترح الفريق أن طفرات جينية معينة قد تحدث في تجمعات سكانية لم ندرسها بالقدر الكافي، ومع تأثيرات الانحراف الجيني أو الانحراف الأليلي -وهو قوة تطورية تعمل عبر تغيير خصائص الأنواع على مر الزمن، وقد يقلل من التنوع الجيني- عند فصل التجمعات السكانية، فقد يؤدي إلى عدم دقة النتائج النهائية لبحوث دراسات الارتباط على نطاق الجينوم "غواس".
إرادة سياسية
الحل الذي طرحه الباحثون في دراستهم المنشورة بدورية "الخلية" يوم 21 مارس/آذار الجاري، هو استخدام البنوك الحيوية الشاملة للدراسات المستقبلية، حيثما كان ذلك ممكنا، ويؤكدون أن استخدام البنوك الحيوية مع أفراد متنوعين عرقيًا، التي يمكن ربطها بسجلات صحية شاملة، ينبغي أن يؤدي إلى تحسين الرعاية الصحية للجميع.
ينطوي هذا التحيز الأوروبي على آثار هامة بالنسبة للتنبؤ بالأمراض عبر جميع سكان العالم. وتظهر هذه الدراسة الحاجة إلى دراسة مجموعات سكانية أكثر تنوعا باستخدام كل من الأمثلة التجريبية والتفكير النظري على حد سواء.
ويقول الباحث جورجيو سيروجو من جامعة بنسلفانيا "ستتطلب هذه المبادرات الإرادة السياسية لتحسين التمويل والبنية التحتية لدراسة التنوع الجينومي والتنوع الظاهري في التجمعات السكانية العالمية"، مضيفا أن "النجاح المستقبلي للطب الجينومي، والطب الدقيق يعتمد عليه".
المصدر : الجزيرة