من يوميات حطط.. الجزء الثالث.. (الحلقة 83) / إبراهيم الأندلسي

ثلاثاء, 07/23/2019 - 01:10

كان حطط صباح هذا اليوم مُتفائلا بنهاره الجميل، فقد رأى في نومه أمرا عجبا، و قد فسرت له احريش الحلم تفسيرا جميلا، فجدتهم البعيدة و المعروفة الهرشاشة جدة هرصبوب لا يراها أحد في ليلة إلا و وجد وليمة في اليوم الموالي، فهي رحمها الله كانت مختلفة عن أبنائها في الأكل، فأبناؤها ينتظرون اللحم حتى ينضج في المراجل، و هي كانت تضعه على النار و تجلس بجانبه، و تظل تخرج منه القليل القليل، تمهد به معدتها الفارغة، و عند نهاية الأمر تغسل الصحون فلا تجد غير المرق ، فتُقسم أن الدابة عادت إلى الحياة و هربت، و تبدأ البحث عنها من جديد، و هو أمر جعلها تدخل صراعات لا تنتهي، مع الناس و القضاة و أصحاب الماشية، و هي رحمها الله تُعرِّف نفسَها بالورع، و لكنها لن تترك حقها يضيع أبدا. 

و من قصصها رحمها الله أن بعض الرعاة أعطاها شاة، و ذبحتها و جلست قرب المرجل تداعب اللحم، و حين غسلت الصحون لم تجد شيئا غير مرق اللحم، فعرفت بذكائها الخارق أن ذلك الراعي خدعها، فتبعته و أتت بشاة أخرى، و لكنها لم تكن أحسن من سابقتها، فرجعت مرة ثالثة ، فأخذها إلى القاضي ، الذي سألها و اعترفت أنها ذبحت الأولى و قطعتها و طبختها و لكنها لم تجدها في المرجل بعد الطبخ، صاح الراعي لقد أكلتها و هي على النار، فغمزه هرصبوب و كان طفلا صغيرا حينئذ، لكن غمزته تكفي لتغيير الأقوال.
رأى القاضي في حديث الجدة تهافتا كبيرا ، و لكنه يعرف الأسرة، و طريقتها في الحياة، فأمر بطبخ شاة أخرى و في مكان سري ، و بعد ذلك تأكلها الجدة أمام المسجد و بحضور طائفة من المومنين، و تم ذلك ، و قالت الجدة بعد تمام الأكل، هذه المرة خدعني بواحدة أصغر، فطالبها الحضور أن تغفر للمسكين ذلك، رغم أن الشاة كانت لجماعة المسجد، حلف الراعي أن لا يقترب من مكان هي فيه طوال حياته ، هذا كان من أبسط قصصها رحمها الله.
قالت احريش لحطط إن هذه الجدة من الصالحات، فقد رأتها فلانة و تزوجت بعد ذلك بسبع سنوات فقط، و رآها طفل في القرية و لما كبر أصبح صاحب ماشية، و أمسكت فلانا و هو صغير فلما بلغ أصبح إمام أهله، و هذا كله من بركاتها المعروفة، لابد يا حطط أنك اليوم ستظفر بغداء مختلِف تماما، فلا تحرم والدك فإنه على بطنه من البارحة لم يذق طعاما، غير بقية جمل القوم، الذين خاصمهم أمس.