إلياس الرشيد
إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون:
في ذمَّة الله شيخنا العلامة النحوي اللغوي الفقيه الزاهد محمد الحسن ولد أحمدو سالم الحسني الشنقيطي المالكي الملقب بـ(حدَّنَّا) (1442 - 1346ھ | 1924 – 2021 م).
تغمَّده الرَّحمنُ بالعفو والرِّضا :: وجادت ثراه ديمة الرَّحماتِ
حسنة الأيام والليالي، وجامع المفاخر والمعالي، وحائز الرتب العوالي، قدوة الأماثل والأماجد، حاوي المفاخر والمحامد، حسن الخِلال والخَصائل، ومن حاز جميل الشمائل والفضائل، الجِهبذ النِّحرير، والعَالِم الكبير.
هو من علماء شنقيط المُفيدين، والعلماء المُجيدين، والفقهاء المُتقنين، أحدُ أعلام المدينة المنورة وعلمائها، وخزانة اللغة وآدابها، بذل حياته في دين الله تفقها وإفادة، وحاز في الرباط على التدّريس الريادة.
لم ألقَ من هو على طريقته في استحضار الأدلة النقلية والشواهد الشعرية والأراجيز العلمية مع ما اشتمل عليه من شِيمٍ بهية ومحاسن سَنيّة وأخلاق رَضية وأوصاف زَكيّة.
تسيلُ العبرة ويفيض ماء العين عند ذكره، والحديث عنه لا يُجلّي على الحقيقة مرتبتَه، والكلمات تقصر فلا تبين منزلتَه.
خَلَف أباه الشيخ أحمدُّو سالم في التّدريس ببلدته، ثم ظل يبّث العلم متنقّلا بين القرى، وانتقل بعدها إلى نواكشوط ودرّس في محضرة العون 15 عاما، ثم رحل إلى الحِجاز وقضى 15 سنة يدرس بمكّة المُكرّمة و10 سنين بالمدينة.
انتفع عشرات الطّلاب بمتين علمه ودقّة فهمه، وملؤوا من لطيف فوائده، وأوابد فرائده، وشوارد شواهده الكراريس والأسفار.
لا تمل مُجَالَسته لتواضعه وطِيب معشره، ولا تسأم من درسه لصدقه وتألّهه.
تواضعَ للطُلَّاب فانتفعوا به :: على أنَّه بالحلمِ زاد ترفُّعَا
وكان حليمًا واسعَ الصَّدر ماجدًا :: تقيًّا نقيًّا زاهدًا مُتورِّعَا
ومَن يبتغي تعدادَ حُسنَ خصاله :: فليسَ ملومًا إن أطال وأشبعَا
فجُوزِي بالحُسنى وتُوِّجَ بالرِّضا :: وقُوبلَ بالإكرام ممَّن له دعا
كان يُقريء الفقه، والنحو، والصرف، والشّعر، والسّلوك، والسّير، والأنساب، والشمائل، وغيرها من المعارف ويحفظ في ذلك ما لا يُحصى ولا يُستقصى،
كان يبدأ درسه بقوله: "الفتّاح العليم" أو "سبحانك لا علم لنا إلّا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم" ويختمه بـ "كفاك هذا"، وكان يقول أحيانا: "في كيسي المزيد؛ لكن لن تقدر على حفظه".
كنت أمنّي نفسي بزيارة مدينة الحبيب ﷺ وتجديد العهد به ولقاءه، ولكن المنيّة إذا عاجلت لم تُبق لمحبّ وسيلة ولا حيلة، ولا يبقى للمكلوم إلا الرّثاء والتّرحم والذّكر الحسن ونشر العلوم.
لهفي على تِلكمُ الآثارِ قاطبةً :: وما حوته من الأوصافِ والشِّيمِ
تعرّض لحادثة (صدمته سيارة) قبل أسابيع، فأصيب بنزيف في الدّماع دخل على إثرها في غيبوبة.
موتُ حملة الشريعة من أعظم الرّزايا وفقدهم أمّ البلايا، فكيف يهتدي من أدلج إذا انطمست مصابيح الدجى ورحل أئمة العلم والهدى.
رزقه الشهادة وتغمَّده الله بغفرانه، وبوَّأه فسيح جنانه، وأورده موارد إحسانه، وأعلى مقامَه، وبلَّغه في دار الجزاء مرامَه، وبلَّغه ما يرجوه، ومنّ عليه بالمغفرة يوم تبيضُّ وجوه، وأحسن الله عزاء أهله وتلامذته ومحبِّيه، وأخلف على المسلمين خيرًا.
