نقل القاضي عياض، رحمه الله، في كتابه: ترتيب المدارك، ضمن ترجمة الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، أن رجلا حدَّث مالكا عن قوم: <<..يأكلون كثيرا، ثم يأخذون في القصائد، ثم يقومون فيرقصون، فقال مالك: أصبيان هم؟ قال: لا، قال: أمجانين هم؟ قال : لا، هم قوم مشايخ، وغير ذلك، عقلاء، فقال مالك: ما سمعت أن أحدا من أهل الإسلام يفعل هذا، فقال له الرجل: بل يأكلون ثم يقومون ويرقصون دوائب، ويلطم بعضهم رأسه، وبعضهم وجهه، فضحك مالك، ثم قام فدخل منزله، فقال أصحاب مالك للرجل: لقد كنت يا هذا مشؤوما على صاحبنا، لقد جالسناه نيفا وثلاثين سنة فما رأيناه ضحك إلا في هذا اليوم..>>../ ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك/ تحقيق الدكتور علي عمر ـ ط الأولى مكتبة الثقافة الدينية 2009 ـ الجزء الأول ـ ص 199..
نقل الأستاذ المحقق خالد مصطفى طرطوسي في ترجمة القاضي أبي علي المُحَسِّن بن علي التنوخي في أول تحقيقه لكتابه “الفرج بعد الشدة” أن القاضي التنوخي كان: <<..من جملة القضاة الذين ينادمون الوزير المهلبي على اطِّراح الحشمة، فيجتمعون في كل اسبوع ليلتين على القصف والخلاعة، والسماع والشراب والطرب، وكلهم ذو لحية بيضاء، فإذا أخذ الشراب منهم تقاسموا الكؤوس، ووضع كل منهم لحيته في كأسه، بل ينقعها فيها، ويرش بعضهم على بعض، ويرقصون جميعا، وإياهم عنى السري بقوله:
مجالس ترقص القضاة بها :: إذا انتشوا في مخانق البرم..
وصاحب يخلط المجون لنا :: بشيمة حلوة من الشيم..
…..
فإذا أصبحوا عادوا لعادتهم في التَّزمُّت والتوفر والتحفظ، بأبهة القضاة، وحشمة المشايخ الكبراء..>>../ كتاب الفرج بعد الشدة ـ بتحقيق الأستاذ خالد مصطفى طرطوسي ـ المجلد الأول ـ الجزء الأول ـ طبعة المكتبة العصرية 2012 ـ صفحة 25..
في المجتمع الموريتاني البدوي: كانت تُعرف حالات من التفاعل الإيجابي التلقائي، يقوم بها مشايخ العلم، مع أهل بَنْجَه حين يمرون بهم أثناءها..
فعادة يعاكس أهل بَنْجَه المشايخ عند رؤيتهم بلازمتهم: “يَلمْرَابطْ عسْ أعْلَ دِينكْ”، فيتفاعل الأخيرون بشكل إيجابي، ويحصل ذلك بالتلويح والإبتسام، أو رمي عمامة لهم، وأحيانا بشيء من اتْلَاويحْ خفيف، ومن هذا التفاعل وُلدت رقصة خفيفة تسمى “انْفِيظْ الْغَبْرَه”، على إيقاع: “يَلمْرَابطْ عسْ أعْلَ دِينكْ”..
القاضي أحمد ولد المصطفى