أقام بيت الشعر في دائرة الثقافة بالشارقة مساء يوم الثلاثاء 21 سبتمبر 2021 أمسية شعرية شارك فيها كل من أحمد العسم من الإمارات وجميل داري من سوريا وعلي مصطفى لون من نيجيريا، بحضور الشاعر محمد البريكي مدير البيت وعدد من محبي الشعر والثقافة، وقدمها الإعلامي وسام شيا، الذي أشاد بدور الشارقة في جعل الشعر وجهة وحياة، على الرغم من معاناة البشرية مع وباء كوفيد.
افتتح القراءات الشاعر أحمد العسم بنصوص لامست الهم الإنساني، واستقى مفرداته ممن البيئة في توظيف رمزي شفيف، ومن نص "ماعون" قرأ:
مثل كل الذين يخرجون
من حسابات المقربين
ولا ينجذبون إلى احتفالات
أنا في عزلة في هذا
العام الجديد
قررنا أن نعلق أيامنا
كثياب على حبل الغسيل
تسيل ألوانها
تنفضها القلوب
بانفصال
في ليلة رأس السنة
ألمسُ السرير
وأقول هذه النافذة
دون مرحباً
وعن العزلة، اتخذ من النافذة منطلقاً للبوح إلى فضاء أرحب يخرج من دائرة السرير إلى سماوات الجمال، ومن قصيدة "نافذة":
تعال إلى جانبي الأيسر
الذي تأثر بغيابك
في هذا العزلة
النافذة ستظل مفتوحة
طوال الليل
كون حذراً يا أيها الطائر
أخشى عليك من الخدوش
من قدوم الطيور
التي تبحث عن القفص
العالم بلا مظهر
هذه السنة بقيت الأقنعة
وذابت الوجوه
هذه السنة تختطف
رجال كثر ونساء
والأخرى من الوجوه
تقترن برغبة طاغية
اقترن المفتاح بالعزلة
الشاعر النيجيري علي مصطفى لون قرأ نصوصاً مبللة بالشعر، غارقة في التجلي والحزن، تفيض بماء القصيدة المنبجسة من مشكاة اللغة، ومما قاله في افتتاح قراءاته:
أَفِيضُ مِن المِشكاةِ طِفلًا مؤَجَّلا
تمَشَّى على الأحزانِ نَايًا مُرَتَّلا
أفيضُ من الرَّمْلِ المُسَجَّى بِوَمضَةٍ
من الغَيبِ في ألواحِ شيخٍ تبتَّلَا
كأني لأحلام اليتامَى سنابِلٌ
على وجلٍ تشتاقُ في الليل مِنجَلا
أُرَقِّعُ لونَ الماءِ في الأفُقِ مَنْ تُرى
إذا غِبْتُ يُلقِي بَيْنَ كَفَّيْهِ مِغْزَلَا؟
ثم واصل رمزيته العالية متخّذاً منها وسيلة للوصول إلى طرح رؤى تلتحم بالواقع وهم المحيطين به، ومن قصيدة "معراجٌ إلى مدينة لم تَلْمح سوى أشرعةً للحزن" قرأ:
هناكَ بالبابِ عطرٌ مَن يَشُقُّ لَهُ
وجهَ المخاض؟ لِيَلْقَى الريحَ مُتَّكأ
هَناكَ تَشْخصُ أمٌّ في ملامحِها
سفرٌ من الحُزنِ تُهدِي كلَّ من قَرَأ
وطِفْلةٌ شَاخَ دمعٌ في حَقائبهَا
مَنْ يَرقعُ الدَّمعَ في جَفْنٍ إذا اهْتَرَأ؟
لم نَنْحَدِرْ من شبابيكِ الرؤى مُدنًا
ونحنُ لم نَكْفُلِ الريحَانَ مُذ نشأ
الشاعر جميل داري تشغله القصيدة، يغرق في التفاصيل والرؤى، يتخذ من اللحظة مقعداً يدوّن فيه المشاهد ويختزلها، ثم تفيض بعدها حرفاً مضمخاً بالحنين والرؤى والشعر، ومما قرأ:
على مقعدٍ ما
نسيتُ تفاصيلَهُ في رؤايْ
على مقعدٍ مترعٍ بدبيبِ خطايْ
هناكَ تركتَ القصيدةَ نائمةً
وحملتُ على ظهريَ المنحني
ألفَ نايْ
على مقعدٍ ما
سيجلسُ طفلٌ
يحدّقُ في أثري
في دخانِ أسايْ
على مقعدٍ فارغٍ من ظلالي
بقايا صدايْ
وواصل اختزاله للفكرة من خلال أبياتٍ مكثفة المعاني، رسم من خلالها مساحتها القصيرة مشاهد مزدحمة، لكنها ملونة بالقصيدة وعطرها:
ما لقلبي يذيقُني وأذيقُهْ
وحريقي مستنفرٌ وحريقُهْ
بيننا رميُ الجمرِ دونِ ختامٍ
أيُّ شيطانٍ بينَنا لا نطيقُهْ
في فضائي المائيِّ لا ماءَ حقّاً
ليسَ إلّا سرابُهُ وبريقُهْ
انتهى الآنَ موعدي معَ حلمي
فلماذا يريقُني وأريقُهْ
في ختام الأمسية كرم محمد البريكي الشعراء ومقدم الأمسية.