زلزال:
“أطلت من وراء ستار مغلق واختفت بسرعة البرق…
تركت رائحة الرمل الابيض بلله المطر..
أشعلت في الذاكرة نارا …
و في القلب صبت حنينا..
قال الوجع: “أنتِ صدى السنين ..صدى التي هي أنت… وصدايَ ترمسني الرياح… “
وكان آخر صوت يسمعه أنة ناي مصدور في أذن البهموت، وزمجرة الرواسي تأمر الارض: “ميدي بهم… “…
من العنوان يتراءى التأزم … فالزلزال قدر أزلي أعي البشر ..وهو يشترك اشتقاقا مع الفاظ أخرى منها الزلل الذي هو نقيض الثبات خاصة بعد القسم
“وَلا تَتَّخِذُوٓاْ أَيْمَٰنَكُمْ دَخَلًۢا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌۢ بَعْدَ ثُبُوتِهَا “
ومنها الزلات بمعنى الخطايا !فهل الاحلام زلات وخطايا ام هي زلزال ازلي ؟
تطرح القصة هذا المأزق الوجودي من خلال نسيج من الشخوص تتدرج أدوارهم عبر مراحل؛ فتاتي البداية مع :
– زائرة
– وجع ..
وبتعدد الشخوص في قالب يعتريه الابهام ودفق العواطف فتندر فيها الجمل المركبة ، في حين تغلب عليها سمات الغضب والتردي ….
اما بقية الشخوص فتتدرج في القصة حسب الآتي:
- أولا شخوص ثانويين يمثلون الشهود علي نقاء اللقاء وهؤلاء الشهود هم
– الرمل الابيض
– المطر
حيث يرمز الرمل الابيض إلي جمال المراة .. ..وكثيرا ماربط الشعراء بين جمال المراة ونقاء الرمل الابيض وربما تولدت الصورة لديهم من اثار اللقاء علي الرمال في اوقات مشحونة بالرغبة والشوق … كما في قول الشيخ سيد محمد بن الشيخ سيديا مشيدا بمرابعه
( ترى الاسباط فيها والاراطي
كزيٌن البِيض ايام الضحايا )
كما ان الرمل يلبي غرض الخلوة بالمحبوبة الذي تغني به بعضهم ،كما في قول قيس
علي أن لاقيت ليلي بخلوة
زيارة بيت الله رجلان حافيا
. و هوؤلاء هم شهود نفي وإثبات ..
إذ ياتي الرمل الأبيض المبلل بالمطر ، ليثبت الجمال الطبيعي ، وليفني في نفس الوقت غيره من آليات جمال مستحدثة .. عن طريق المستحضرات الكيمياوية !
وقد حضر المطر رمز الانشراح والطهر ليدعم ذلك .
وهذا ماجعل الوجع المعبٌِر عن البطل الرئيس يهتف بترداد صدى الماضي ‘انت صدي السنين .. صدي التي هي انت ..وصداي ترمسني الرياح ” في نغمة حزينة تتطلبها القصة القصيرة جدا وتغالي في ذلك حين يؤول البطل الوجع إلي الرمس…. (وصداي ترمسني الرياح …. )
– ثانيا شخوص يحيلون إلي أزلية الحلم ؛ حيث يغدو التازم هنا ازليا تعكسه الاستعانة بأنة الناي الذي يهمس في اذن البهموت ،سواء تعلق الامر بمايذهب إليه بعضهم من ان البهموت هو القلم!
او تعلق بما ذهب إليه آخرون من ان البهموت هو الحوت الذي يحمل الأرضون ، فالكل يوحي بما للناي من اثر شعوري يعكس الحزن رديف الشوق.. والتلاشي رديف الانهيار …
إنها انة أزلية وجودية استحضرها البطل ( الوجع ) الذي احضر ما يكفي من الشهود مثل الجبال التي خلقت لتمنع الارض من ان تميد (…. والقي في الارض رواسي ان تميد بكم ) ..ومع أن كل آليات الازل هنا حضرت في غير غاياتها الوجودية فقد ادت الحاجة الماسة لرغبة البطل ( الوجع ) فى الانتقام من مجهول يعكس تعدٌُدُه ضميرالجمع في زمجرة الرواسي وهي تامر الارض ان تميد ( ميدي بهم ) عكسا للمهمة الاصلية للجبال الرواسي .)فيما يشكل فتحا أزليا متصورا ضد هذا المجهول
– الجمع – القاسي علي الفرد (الوجع) ممايستجيب لحاجة القصة القصيرة جدا إلي التناقض والضبابية والابهام .ويضمن للبطل نوعا من الشعور بتحقق الحلم ! استعجالا ليوم القيامة ، كحل للصراع الوجودي لأزمة الفرد داخل المجتمع …ازمة طالما تجلت في الادب علي مستويات مختلفة منها ماعبر عنه امرؤ القيس مستنكرا إياه في نفس الوقت
“وإن شفائي عبرة مهراقة
فهل عند رسم دارس من معول “
ويبقي الجديد هنا هو التعويل علي يوم القيامة في طرح ادبي جديد للازمة الوجودية ، يعززه استغراق رومانسي في الاحزان وثبات علي التمسك بالحلم – ازليا – وجموح موغل في الرمزية حدٌ الإبهام .