في النصف الأخير من سنة ١٩٨٢، نُقلت إلي ثانوية ( كبولاني ) بعد أن أنهيت المرحلة الدراسية بإعدادية السطارة.. كما كنا نسميها آنئذ..
في هذه الفترة بالذات، اكتشفت كغيري من هواة المراسلة أن للثانوية عنوانا بريديا حيويا..
بدأت ضمن مجموعة من الأصدقاء بغزو فضاءات جديدة... طرقناها من خلال مراسلة إذاعات مسموعة علي نطاق كبير في محيطنا اليومي..
كانت إذاعات البي بي سي، هيلفرسوم، دوتشفلي ، اليابان، الإذاعة الوطنية... هيّ وجهتنا المفضلة..
و لربط الاتصال بهواة المراسلة من بين مستمعي هذه المحطات كان لابد من عنوان بريدي يضمن لنا الحوار معهم..
ولأن صندوق بريد الثانوية كان يضيق يوميا بالظروف و الطرود الواردة إليه ، عمدت إدارة الثانوية إلي انتداب أحد عمالها لتفريغه و جلب محتوياته إلي مكتب المراقب العام كل يوم..
كنا نجتمع بعد صلاة العصر أمام مكتبه فنستلم من عنده حزمة جديدة من الطرود و الظروف القادمة من جميع أطراف الكرة الأرضية،.. ثم نقف أمام باب الرقابة المرتفع نسبياً .. فيبدأ النداء بأسماء أصحاب الرسائل في مشهد احتفالي لا يخلو أحيانا من طرافة ... تتفتق عنها عبقرية الشاعر المختار السالم أحمد سالم ...
أذكر أنه كان يًًُنادي عمدًا بأسماء بعض زملائنا الذين عهدنا لديهم طيبة زائدة... فيجيبون بعفوية: حاضر .. حاضر..
وحين يخترقون أمواج المتجمهرين صعوداً نحونا لاستلام رسائلهم المفترضة، نعتذر لهم بحجة باهتة .. كوقوع خطإ في قراءة الأسماء!..
تنطلي الكذبة عليهم عادة... يعودون إلي مواقعهم في هدوء.. يتكرر المقلب معهم مراتٍ و مرات دون اكتراث...
كنتُ أشعر بالخيبة إذا افترق الجمع دون أن ستلم رسالة جديدة !...
وبالمقابل، كنت أفرح كثيراً عندما يصلني عدد هام من الخطابات ... لأن ذلك يثير في الغالب ريية ً في نفوس بعض الحاضرين ... فيتحلقون من حولي مشككين في العنوان،.. أعرضه عليهم مزهواً لاثبات البراءة... فينقلبوا صامتين...
ومهما تسارع تطور وسائل الاتصال و التواصل حدّ الجنون... فسأبقي مدينًا لصندوق البريد ٢١ في روصو بأفضال جليلة... ذلك أنه عرّفني علي أشخاص رائعين .. و أتاح لي استكشاف عوالم و فضاءات جميلة..