الأخبار (نواكشوط)
افتتح معهد الدراسات الأبستمولوجية في بروكسيل اليوم الأربعاء مؤتمر علميا دوليا حول "المدارس الدينية التقليدية في المغرب العربي وإكراهات التحول العولمي".
وافتتح المؤتمر بمقر دار الحديث الحسنية في العاصمة المغربية الرباط، وبمشاركة العديد من المختصين والباحثين المغاربيين.
مدير المعهد الدكتور بدي المرابطي نوه في كلمته في افتتاح المؤتمر بالأهمية التي يكتسيها "خاصة في السياق الراهن عبر عدد من الميزات ننوه من بينها استهلالاً بالرمزية المزدوجة لتنظيم هذا المؤتمر بالشراكة مع جامعة القرويين، وتحديداً مع مؤسسة الدار الحسنية للحديث".
وأضاف: "إنها من جهة رمزية عبق التاريخ والوفاء لعقود وأجيال من التعليم العتيق والعريق ورمزية التجدد واستنفار المعارف والمناهج المختلفة في تفاعلها وتكاملها، وبالتالي العمل على المساهمة بفاعلية في صياغة القيم الروحية والأخلاقية في العالم".
كما نوه المرابطي بحرص المؤسسة الحثيث على استنفار ما كان يسمى بعلوم الآلة عبر مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية الحديثة، و"بحرصكم بنفس المعنى ونفس الأسباب على أن تستعيد العلوم الاسلامية ألقها وأن تصبح من جديد وجهة للطالبات والطلبة المتميزين وذوي القدرات العلمية الاستثائية عكسا لما أصبح عليه حال توجيه الطلبة في أغلب البلدان الاسلامية".
وشدد المرابطي أن تجربة التربية والتعليم في المملكة المغربية وفي عموم بلدان المغرب الخمس تشكل اليوم مجال اهتمام كبير للباحثين لأسباب عديدة أحدها أنها لم تعرف القطائع التي حجّمت وأحيانا دمّرت المجالات التي كان يطلق عليها علوم الآلة والتي شهدتْ كما تعرفون تراكما وتطويرا استثائيا جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن وظلتْ الجسر الذي يربط العلوم الإسلامية الدينية بمختلف العلوم الأخرى ويسمح باستنفار علوم اللسان وما يرتبط بها بلاغة ومنطقا بل واستنفار محاور من العلوم التي أصبحنا نسميها البحتة.
ونبه إلى أن علوم الآلة كما يوحي به اسمها آلة أو أدوات للتعامل مع النصوص المنزلة ومن ثم فإنها شكّلتْ فضاء الإنسانيات الذي تحركتْ فيه العلوم الدينية وجسر التكامل المعرفي الذي يمكن أن يربطها بالتطورات بل بالطفرات المعرفية المعاصرة والراهنة والتي بقدرما فرضتْ تخصصية كبيرة في مراحل معينة بقدرما أصبحتْ تعبّر عن حاجتها إلى تجسير الهوة بين الحقول المعرفية المختلفة فيما أصبح يعرف بالتعددية التخصصية وبالبيتخصصية.
وقال المرابطي إنهم يدكون أهمية العمل على استعادة التعليم الديني ألقه وانفتاحه على التطفرات المعرفية الحالية وقدرته على استقطاب الطالبات والطلبة الأكثر تميزا، وذلك حين يتأملون الخريطة الدعوية والفوضى التي عرفتها في العقود الأخيرة، وما نتج عن ذلك على أكثر من صعيد.
وأردف بدي المرابطي خلال خطابه في افتتاح المؤتمر قائلا: "ليس لأن التكريس الإعلامي والإديلوجي أبعد المعاييير العلمية لصالح الضجيج الدعائي وقدرته على النفاذ إلى عقول ومشاعر الأجيال الجديدة التي دفعتها الثقافة الرأسمالية التسليعية المهيمنة عالميا إلى أن تميل تلقائيا إلى البحث عن سوق استهلاك كهنوتية، تبحث عن مواقف وفتاوى جاهزة للاستهلاك، تبحث عن ready to wear or to think أو prêt à porter ou à penser بل أيضا لأن التكوين الإسلامي الديني في كثير بلدان العالم قد تمّ إفقاره معرفيا ولم يُـبعد فقط عن الطفرات العلمية الحديثة والمعاصرة بل أبعد أيضا وبدرجة ربما أكثر عن فضاء إنسانياته أي عن مرتكزاته الموسوعية التي تشكلت عبر القرون".
كما ذكر بأن قضية الاجتهاد والتقليد التي ناقشتها العلوم الإسلامية بشكل عام مطولا، وناقشها علم أصول الفقه بشكل خاص، وصارت جزءا من مباحثه بإسهاب، كانت تناقش في أجواء كان فيها المتعلمون ذوي طابع موسوعي غالبا يزاوجون بين علوم الملة وعلوم الآلة ولكنهم يشكلون أقلية بشكل عام داخل المجتمع، وهم الذي كانت تطلق عليهم أو على بعضهم صفة 'الخاصّة' في مقابل "العامة".
واعتبر أن الإشكال كان مطروحا بالنسبة لمجتمعات أغلبها غير متعلم، أما الإشكال بالنسبة لنا اليوم فأصبح مختلفا كثيرا، لأن المتعلمين القادرين على القراءة والكتابة زاد عددهم، ولكن علاقتهم بالأدوات التخصصية التي تمنحهم التعامل مع النصوص الدينية قد تراجعت ليس فقط - مثلا - لدى عموم قراء اللغة العربية القادرين على القراءة والكتابة بالعربية، ولكن حتى لدى المختصين سواء في العلوم البحتة أو العلوم الإنسانية.
ولفت مدير المعهد إلى أن الإشكال الآن بالنسبة للتقليد والاجتهاد لم يعد صادرا عن ثنائية المتعلم وغير المتعلم ؛ وينطبق هذا بشكل خاص على الجاليات المسلمة في الغرب التي هي بشكل عام جاليات متعلمة، كما أن العربية لم تعد اللغة العالمة المشتركة لدى أغلب المسلمين خارج العالم العربي. أغلب مفاهيم الخاصة والعامة والمجتهد والمقلد صيغت في فترة كانت فيها العربية هي اللغة العالمة للطبقات المتعلمة في عموم المجتمعات الإسلامية بغض النظر عن انتماءاتها العرقية والجهوية.
ورأي بدي المرابطي أن الواقع الذي سمح بصياغة عدد كبير من المفاهيم التي كانت تبنْيِنُ العقل التأويلي لدى المدارس الدينية في العالم الإ سلامي قد تغير وبالتالي إن هذه المفاهيم حتى لا تموت أي حتى لا تفقد كل محتوى يحيل إلى واقع يلزم أن تتغير.
ونبه بدي المرابطي إلى وجود عدد كبير من الآليات المعرفية والمنهجية التي تحتاج إلى مراجعة جدية، لافتا إلى المزاوجة بين المناهج التي تشكلت قرنا بعد قرن والمناهج الحديثة لا يمكن أن يكون لا إجتزائيا ولا انتقائيا، ولكنه يحتاج فهما نقديا مزدوجا، وبالتالي إلى ما يسمى بالعلوم المعرفية بقراءة منعكسة لكل مبدأ منهجي تسمح باستثماره وتسمح في نفس الوقت بمراجعته، بما يسمح بإدراك أعمق لهذه الأدوات التاريخية التي تشكّلتْ وبإدراك قدرة هذه الأدوات إذا استُثمرتْ نقديا ليس فقط على أن تستفيد من الأدوات الحديثة، ولكن على أن تشارك نفسها في تطوير هذه الأدوات الحديثة.
وعبر المرابطي عن أمله في أن تساعد هذه الندوة في هذا المضمار عبر استقراء التجارب التعليم الديني في البلدان المغاربية في أفق ما تعنيه في انغراسها التاريخي وفي انفتاحها النقدي واقعا أو إمكانا على الطفرات المعرفية الراهنة.
وافتتحت الندوة بكلمة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي الأستاذ أحمد التوفيق، رحب خلالها بالمشاركين، مثنيا على موضوع الندوة، ومنوها بأهيمتها، وراهنية المواضيع التي تتناولها.