كنا ثلاثة رابعنا الطموح وعزم لا يلين، القاضي والاستاذ الجامعي الحالي ورجل الأعمال والعبد لله.
كنا نستأجر غرفة من بيت ذلك الرجل الناصري الطيب، ضابط الصف "حمَْ" بالحي العسكري في قلب العاصمة
العمود الفقري للنظامنا الغذائي يعتمد على "جيرة" شهرية للغداء والعشاء مقابل ستة آلاف أوقية
كان ذلك قبل أن نعلم أن عقود السلم أو الاستصناع في الطعام محل خلاف وتخضع لاشتراطات معينة.
كانت زوجة أحد الضباط الزنوج، المرأة الخلاسية الأربعينية الممتلئة حد اختفاء التضاريس هي المسؤولة عما يصل أمعاءنا التي كانت حينها تذيب الفولاذ.
لم نكن حينها قد سمعنا عن مشكل التمثيل الغذائي ولا عن اضطرابات القولون ولا تدخل حبوب Nexium أو Lotronex في اهتماماتنا اليومية.
تتنوع وجبة الغداء ما بين سيد الأطباق الغرب إفريقية "تشيبوجن" السابح في بحيرة من الزيت المشبع بالدهون الثلاثية (Triglycerides) وبين وجبة "مافة" حيث يلبس الارز لحافه البني الكثيف المكون من قطع من قديد السمك والبطاطا الحلوة والجزر والملفوف سابحة في فلك من معحون الفول السوداني والزيت، تغرق داخل ذلك السديم مكونات أخرى من قبيل التمر الهندي والفلفل الأسود وورق إكليل الغار وبعض البهارات الخاصة من قبيل "نتتو" برائحتها التفاثة
لا تغيب "سبوكنجة" - وهي النسخة الغرب إفريقية من وحبة "الارز بالبامية" الشهيرة - عن الحضور ولو مرة في الاسبوع
ويحدث نادرا مما لا يقضى به أن يحل اللحم الأحمر محل الأبيض ليكون ذلك يوم فرح وحبور بالنسبة لسيادة القاضي المتأثر بولد ابن ولد احميدن في موضوع السمك
أما في العشاء فإن منتجات "فامو" تتسيد الموقف إلا في ليلة عطلة نهاية الأسبوع حيث الوجبة الخاصة من السمك المقلي والبصل والتي يتطير منها السيد القاضي قائلا إنه لا يطيق منظر عيون السمك المحدقة فيه، في تلك الليلة لا يشاركنا القاضي العشاء مطلقا إنما يركن إلى "باسي" بحليب Gloria أو العيش مع حليب Rose.
أما أنا وزميلي رجل الأعمال لاحقا، فنرى في تلك العيون المحدقة نوعا من المراودة والإغواء مما يدفعنا الى التهام صاحباتها بشهية مفتوحة.
رغم خيالي المجنح وقتها فإن أبعد شطحاته لم تخيل إلي أنني سأكتب على جداري الخاص في عالم Zuckerberg الأزرق عن عيون الأسماك المحدقة لأن مارك نفسه حينها كان ما يزال في السنة الأولى من التعليم الأساسي المعروفة أكاديميا ب "سَبَّنْيَّبَّ"