أ. فاضل غي
رئيس النادي الأدبي السينغالي
خبر انتقال الشيخ الوجيه عبد المقصود محمد سعيد خوجة إلى جوار الله وصلنا كالصاعقة ، لا لأننا نجهل أن الموت مصير كل حي ، ولكن لأن كريم الأدب خوجة كان فريدا في همته متميزا في حسن عنايته بالعلم والعلماء ، وبالأدب والأدباء ، وبالشعر والشعراء ، بل بكل صاحب عطاء وحتى بالفقهاء والدعاة والاعلاميين والنقاد في داخل المملكة وخارجها.
يندر أن نرى ملياردير في حجم عبد المقصود ينفق أمواله على الابداع والمبدعين ويلتزم بدعوة الجميع إلى دارته تلك العامرة في جدة لتكريم أصحاب المواهب والمواقف.
تعرفت على الشيخ خوجة في بداية تسعينيات القرن الماضي من خلال صديق عمره ورفيق دربه الدكتور عبد الله مناع رحمهما الله ، وصافحته لأول مرة ليلة تكريم الناقد المصري الكبير “بدوي طبانه ” ليلتها فاجأني صاحب الإثنينية بتشريفي بالجلوس على منصة التكريم حيث يجلس الضيف المحتفى به مع كبار الشخصيات وعلية القوم ، يومها أدركت أن هذا الشيخ الذي يشرف إعلاميا من غرب أفريقيا يعتبر نفسه تليميذا أمام هؤلاء الكبار لجدير بلقب “الوجيه ” وإن جاء هذا اللقب بعد سنوات من هذا اللقاء الأول مع صاحب الإثنينية ، وليس من شك في أن الذين عاملهم فقيدنا العزيز الشيخ عبد المقصود خوجة بمثل معاملته لي بالعناية وحسن الحفاوة كُثر .
وقد أخبرني ذات يوم الشاعر الجميل واللطيف أحمد سالم باعطب رحمه الله أنه “لولا الشيخ الوجيه عبد المقصود خوجة لما رأت دواوين وأعمال الكثير من الشعراء والمؤلفين النور ، فقد تفضل جزاه الله خيرا بطباعة العديد من المخطوطات التي عجز أصحابها عن طباعتها على نفقته الخاصة “. والحق أنني اكتشفت بفضل إثنينية الشيخ خوجة الوجه الآخر للمملكة العربية السعودية ، وجه الثقافة والأدب ، وقبلها ما كنت أعرف عن المملكة غير أنها بلد الحرمين الشريفين ، وبلد النفط والثراء ، لأن صالون الشيخ عبد المقصود كان ملتقى مهما للمبدعين ، ومتنفسا لأهل الفكر وعشاق الشعر والأدب ، وهناك في صالون خوجه الأدبي في دارته العامرة في عروس البحر الأحمر جدة تعرفت على كبار الشخصيات الأدبية والثقافية في المملكة ومن خارج المملكة ، وربطتني ببعضهم صداقات مازلنا نعيشها حتى اليوم ، وهناك في الإثنينية قدمني الشيخ عبد المقصود إلى عدد كبير من الشعراء والأدباء ، والدعاة والإعلاميين مثل الدكتور عبد الله مناع صديقه الذي فقدناه هو الأخير في العام الماضي ، والدكتور محمد عبده يماني ، والأستاذ محمد سعيد طيب ، والكاتب الأديب عبد الله جفري ، والدكتور الإعلامي هاشم عبده هاشم ، وعلي حسون رئيس تحرير البلاد ، والأستاذ قينان الغامدي ، والشيخ علي الصابوني صاحب صفوة التفاسير وأخيه ضياء الدين الصابوني ، والدكتور أشرف سالم ، والشاعر الجميل أحمد سالم لا عطب ، والدكتور عبد الله نصيف ، والدكتور فريد ياسين قرشي أمين عام هيئة الإغاثة آنذاك والقائمة طويلة ، وكان الشيخ عبد المقصود يحبني كثيرا ويهتم بي ، ويشجعني على المضي قدما في نشر الثقافة واللغة العربية في هذه المنطقة ، وكان كل مازرت جدة وزرته في مكتبه أو قصره يقول “الضيافة علي أنا يا أستاذ فاضل ” ، ويرسل خطابا إلى الفندق الذي أقيم فيه لتعميد الإقامة والإعاشة والغسيل ، بل كان يدعم جهودنا في نشر اللغة العربية عبر المجلات التي تشرفت بإصدارها في السنغال ، ونجحت بحمد الله وتوفيقه في نقل فعاليات حفلات التكريم في اثنينية خوجة إلى القاريء السنغالي والأفريقي.
غفر الله لك يا أبا محمد سعيد ، وجعل الفردوس الأعلى مسكنك في الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا