حدثنى راع يدعى محمد ول بي أن رجلا جاءهم بليل فى منطقة " تفلى " يسوق ناقة على وشك الولادة وعند الصباح تبين أنها " جوكرت " وتجوكير هو ذهاب الدابةعلى غير هدى عندما ياخذها المخاض فذهب الرجل فى أثرها وذهبت أنا مقتفيا أثر ذود قطيع من الابل سرى بليل وحملت معى " ءادرس " الإناء الذى يحلب فيه لأعرج به فى طريق العودة على لقاحنا وكان الزمن فى نهاية الخريف فانفجراليوم فجأة ب " إريفى " الحر الشديد وبينما اناعائد شاهدت ثوبا على على شجرةفتوجهت إليه فإذا بصاحب الناقة مغمى عليه من شدة العطش يفتح فاه ويغلقه وقد بدأت اسراب النمل تدخل إلى أنفه والناقة معقولة إلى جانبه وهى على وشك الولادة وقد خرجت " هكيتها "
الهكيه بكاف معقودة هى بالون ممتلؤ بماء لزج يخرج قبل الولادة لتسهيل خروج الوليد فراودتنى فكرة لم أتاخر فى تنفيذها أخذت " ءادرس " وثقبت الهكية حتى قارب الأناء الإمتلاء
ثم اوقفت الناقة وحلبت من إدرارها بسبب الولادةحتى امتلأ ءادرس ثم بدأت بإسعاف الرجل شيئا فشيئا حتى استعاد وعيهافسألنى كيف حصلت على الشراب البارد المنعش فى هذه الصحراء
فقلت أنتم الزوايا تظنون أن الكرامات لكم وحدكم
نحن الرعاة أيضا لدينا كراماتنا
لن تعرف أبدا كيف حصلت عليها
ثم أضاف " خفت الوراث يكبظ شين لخلاك ايكبظ لكذاف وموت "
اى خشيت ان يتقزز وياخذه القيء فيموت
وقد كان لهذا الراعى زوجة
تسمى دماجه وما أدريك ما دماجه امرأة ولا ككل النساء اعرابية أخرها الله تركب الراحلة وتنوش الإبل وتحلبها وتتصدق بألبانها على الفقراء والمساكين وتكرم الضيف وابن السبيل
عاشت دماجه مثل الحكيم ديلول تماما منتجعة بقطيعها من الإبل بين وهاد انشيري وكثبان آكنيتير وتلال امكرز وسهل آفطوط لا تكاد تلقي عصى التسيار والعجيب أنها ماتت في نفس المنطقة التي مات فيها ديلول إذ يقال أنه دفن في اطويله اوفي بحجرة ازبد أما دماجه فقد توفيت بمدنة اطاف ودفنت بها سنة 1986 رحمهالله.
قبل يوم من وفاتها غادرت"كسبها" حيث كنت أقضي عطلة أنا وصديقي الدبلوماسي عبد الله ول سيد أمين سليل العالم الجليل الشيخ محمد المامي رحمه الله بحثا عن الماء الذي نفد عندنا حتى اضطررنا لإقامة الشاي باللبن وعدنا لنجد أنها قد توفيت رحمها الله بسبب نوبة قلبية.
عاشت دماجة امراة محبة للخير حسنة الأخلاق ودودة ذات خبرة ومهارة بالإبل وقد تميزت من بين النساء أنها كسرت احتكار الرجال لركوب الرواحل و"النوش" وحلب النوق وكانت فصيحة اللسان جزلة اللغة تختزن ذاكرتها مفردات لم تعد مستعملة لا في الحسانية ولا حتى في الفصحي .
سمعتها تتحدث مرة قالت ذهبت للبحث عن بعير " شفت اوراث متعلك اف حكف العلب ادفكت متحاد بال ولين شافن لط "" اي شاهدت البعير متعلقا بحقف الكثيب فتدفقت نحوه فتحادبت له فلط اي لصق بالأرض كما في القاموس.
ومن النكت التي تحكي عنها وتبرز عبقريتها في النوش انها كانت تطارد جملا شرودا فقالت يمرابطي: " أحمد بزيد و رديفو لكويدسي " فلما تمكنت من الإمساك بذنبه قالت : يمرابطي احمد بزيد " زازك عارو" اي دعه لي الآن .
وسمعت خالي الفقيه الجليل عبد الرحمن بن عمر بن ميح رحمه الله يقول اجتمع الناس في "حصرة " دعى لها المستعمر فاغتنمت دماجه اجتماع الرعاة وأرادت ان تختبر مهارتهم في الإبل فسألتهم ما هو دواء الجمل اذا عض "" كلكوشته "" فأجاب كل واحد بما يعرف فقالت لهم مات الذي كان يعرف الابل دواؤه "" اتولتيم ""
رحم الله سيدة نساء الرعاة المرأة الكريمة دماجه منت ارحيل دفينة " مدنة أطاف " ورحم الله زوجها محمدول بى
وغفر له بفعلته العبقرية
أحمدو ول ميح