أسرة الأسود والخنزير البري:
(حكاية من تكانت)
قيل لكم فيما قيل لكم:
إن صيادا ماهرا من أرض تكانت كان يتذرع بالأشجار لغزالة ليقترب منها حتى تصبح في مدى رميه، لكن الغزالة كانت تبتعد عنه في الغابة دون أن تهرب بعيدا كلما قدر أنه في مدى الرمي منها، حتى حال ظلام الليل بينه وبينها.
ولعلمه أن أجمات تكانت مليئة بالحيوانات المفترسة فقد اختار شجرة عالية لا شوك لها.
تسلق الشجرة إلى حيث وجد فرعين عاليين، بينهما ماهد لجلوسه، فأخذ عمامته وربطها جيدا بأحد الفرعين، وشد على صدره بطرفها الثاني، وربط سلاحه بفضل العمامة، خوف أن يغلبه النعاس فيسقط أو يسقط سلاحه، الذي يحمي به نفسه من الفهود والنمور وقردة البابون المتسلقة.
لم يلبث الصياد حتى سطع قمر الرابع عشر من الشهر في الأعالي، فاستأنس به وتفاءل خيرا بنجاة نفسه، وبدأ النعاس يغشاه وينزاح عنه كظلال سحب ناعمة، والقمر الذي ينزلق على صفحة السماء الصافية يؤنسه ويهدهد أجفانه.
فجاءة، سمع الصياد من بين أصوات الغابة جلبة عظيمة تتجه إليه، فخامره الخوف منها، فأفرد سلاحه مستعدا.
نظر أسفل الشجرة السامقة فإذا خنزير بري ضخم قلق الحركة قد ثبت مؤخرته في جذع الشجرة العملاق.
وبعد لحظات إذا بجلبة أعظم، تنقشع عن لبؤة تقفز عاليا على الخنزير، فيتقدم إليها بسرعة برق متعجل، ويرفعها على أنيابه المعقوفة، ويشطر بطنها شطرين، فتسقط أرضا وهي تتشحط في دمائها وأمعائها صريعة.
لم يبرح الخنزير البري جذع الشجرة ولم تبطئ عنه جلبة الهجوم الثاني، فإذا ابن اللبؤة يهاجمه كما هاجمته أمه الصريعة.
تقدم الخنزير قليلا في خطفة وبقر بطن الأسد اليافع بنفس المهارة، فتهاوى متشحطا في دمائه وأمعائه مزمجرا.
عاد الخنزير البري المقاتل إلى جذع الشجرة رابضا لهجوم جديد.
أقبل أسد هرم، يجس الأرض جسا خفيفا، وهو يتهادى في مشيته، فلما أصبح بحيث هاجمت زوجته وابنه الخنزير البري انبطح أرضا، وصار يتساحب بإصرار وبطء والخنزير يضطرب حيث هو ولايهرب.
مد شيخ الأسود ذراعه ولز به الخنزير من نحره على جذع الشجرة، فأخذ الخنزير في التخبط والعويل الحاد كأنه صوته صرير منشار نحاس في الحديد.
صبر عليه الأسد حتى انقطع صوته، فتركه.
هوى الخنزير البري أرضا.
لم يستو الأسد واقفا؛ بل أعاد يده إلى نحر الخنزير الهامد وخنقه مرة ثانية وصبر على ذلك مدة أطول من الأولى.
ثم كف عنه وأخذ يضع يده على أنفه ثم يخنقه مرارا. بعد وقت قرب الأسد أنفه من أنف الخنزير البري بحذر، حتى إذا تيقن أنه مات، استقل قائما على أربع، ونفض لبدته العظيمة وأخذ يمزق جسم قتيله إربا إربا ويرمي مزعه يمينا وشمالا دون أن يأكل منه قزعة، ثم حطم عظامه العارية ورماها في كل اتجاه.
لما فرغ عجوز الأسود الموتور من تمزيق ضحيته حفر حفرة عميقة في الأرض وأقبل على اللبؤة وتحسس أنفها، ثم جرها إلى الحفرة، ورماها فيها.
ثم أقبل على ابنه وتحسس أنفه، ثم جره إلى الحفرة ورماه فوق أمه، وأخذ يحثو عليهما التراب حتى أصبحت ربوة على قبرهما.
تربع الأسد فوق ربوته، مستقبلا البدر المنير وزأر ثلاث مرات كل.واحدة منها أعلى من سابقتها، ثم نزل عن الربوة، وغاص في الغابة وهو يمشي الهوينا دون أن يلتفت.
م. أحظانا
من روائع الأساطير والحكايات الموريتانية.
فصل حكايات الأسود.