نواكشوط – "السدنة":
احتضنت قاعة المحاضرات بالمتحف الوطني مساء أمس (الأحد) جلسة نقاشية مع الروائي محمد ولد محمد سالم ضمن جلسات "مائة دقيقة نقاش" التي تنظمها بشكل دوري جمعية "اقرأ معي"، وتستضيف فيها أهم الأقلام الوطنية، وأدار الجلسة الشاعر محمد ولد إدومو عضو الجمعية، وأجاب ولد محمد سالم خلالها على أسئلة الحضور التي تناولت تجربته الكتابية، وروايته الأخيرة "دحّان"، وكذلك الكتابة الروائية بشكل عام، وواقع الرواية في موريتانيا والوطن العربي.
حول بداية مشواره الكتابي قال ولد محمد سالم إن ميله إلى الكتابة نشأ من خلال ميله إلى المطالعة، التي تكونت لديه في المرحلة الابتدائية، وترسخت في المرحلة الإعدادية، حيث اكتشف هو وأصدقاؤه وزمرة من أصدقائه في الإعدادية العربية مكتبة المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية القائم بجانب إعداديتهم، وهناك اكتشف عالم الأدب برحابته، وبدأ قراءاته الأولى التي سوف تتوسع بعد ذلك من خلال المكتبات العامة والمراكز الثقافية في نواكشوط، كالمكتبة الوطنية والمركز الثقافي السوري، والمركز الثقافي العراقي، والمركز الثقافي الليبي، والمركز الثقافي المغربي، ومكتبة جامعة نواكشوط، وخلال مسيرة القراءة ممارسته للكتابة، فكتب المسرحية والقصة القصيرة، وفي مرحلة لاحقة اتجه إلى الرواية ليستقر على كتابتها، وينجز خلالها روايات كثيرة نشر منها حتى الآن أربعا وهي "أشياء من عالم قديم، دروب عبد البركة، ذاكرة الرمل، دحّان".
وعن سؤال حول الحضور الطاغي للمكان في رواية "دحّان" قال ولد محمد سالم إن أهم نصيحة توجه للكتاب الجدد الذين يقبلون على عالم الكتابة هي أن يكتبوا عن تجاربهم في الحياة، عن ما عرفوه ووعوه في مجتمعهم، وحياتهم سواء كان مرتبطا بحياتهم الخاصة أو بحياة المجتمع الذي يعيشون فيه، فالتجربة تمد صاحبها بمعرفة عميقة بالموضوع الذي يكتب عنه، وبقدرة فريدة على وصفه، بعكس ما إذا كتب عن مواضيع وأماكن لم يعش فيها ولم يعرفها، وأضاف ولد محمد سالم أنه أخذ بهذه النصيحة منذ وقت وقت مبكر من حياته الإبداعية، فهو يفصل جسد روايته من أحداث وأماكن وشخصيات شبيهة بتلك التي عرفها وخبرها في حياته، وهذا جلي في رواية دحّان خاصة في ما يتعلق بصورة المكان، فالأماكن التي ترد فيها هي من أحياء نواكشوط التي عرفها وعاش فيها فترات مختلفة، وكذلك المكان خارج نواكشوط شبيه بأماكن يعرفها جيدا، وهذا ما أعطى للمكان خصوصية وفاعليته في رواية "دحّان".
وعن سؤال حول واقع الرواية في موريتانيا، ولماذا لا يكون لها زخم كبير على غرار الرواية في أماكن أخرى من الوطن العربي، قال صاحب رواية دروب عبد البركة، إن الرواية في موريتانيا رغم تأخر ظهورها، ورغم الزخم الذي كان يحظى به الشعر استطاعت أن ترسخ وجودها من خلال إنتاج عدد من الكتاب المبدعين الذين أنجزوا عدة روايات لا تقل شأنا عن مثيلاتها في الوطن العربي، مثل أحمدو ولد عبد القادر، موسى ولد أبنو، محمد ولد تتا، المختار السالم ولد أحمد سالم، محمدو ولد أحظانا، ومحمد ولد أمين، وغيرهم، ويضيف ولد سالم، أن خفوت الرواية، وضعف حضورها في الوسط الثقافي الموريتاني ناجم عن خفوت الشأن الثقافي عامة، ذلك أن الثقافة ليست منتوجا ربحيا، يمكن أن يقوم على تنميته الأفراد والخصوصيون، ومع ذلك فهي ضرورة قومية وحضارية، لا يمكن لمجتمع أن يرتقي ويسمو إلا بسموها وارتقائها، ومن هنا كان تأتي أهميتها، ومن هنا أيضا توجب أن تتحمل الدولة عبء الإنفاق على الثقافة، وهذا ما يحدث في دول العالم المتحضر، فقد سنت القوانين التي ترتب للثقافة مخصصاتها في ميزانيات تلك الدول، وترتب للكتاب والمؤلفين مخصصاتهم، وفي موريتانيا لا توجد مثل تلك القوانين، ولا توجد سياسة واضحة في مجال الثقافة، وهذا ما أضعف هذا المجال عندنا، وبالتالي أضعف الرواية التي جاءت في آخر السلم.
وعن علاقة الرواية بالشعر، وإمكانية انتقال الشعراء إلى روائيين، قال ولد محمد سالم إن الشعر ظل أعلى الأجناس الأدبية العربية، وأعظمها شأنا، وإن الرواية حديثة الظهور، ورغم ذلك فقد استطاعت أن تجد لها مكانة إلى جانبه، وتؤكد حضورها أزاءه، بل إن الوطن العربي شهد في العقود الأخيرة ظاهرة انتقال الشعراء إلى الرواية، وضرب مثلا بالروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله، وقبله جبرا إبراهيم جبرا، وفي موريتانيا كان الشاعر أحمدو ولد عبد القادر والشاعر المختار السالم الذين اتجها إلى كتابة الرواية بعد أن ترسخت قدماهما في عالم الشعر، وأشار إلى أن الانتقال بين الأجناس الأدبية ظاهرة عالمية شائعة، وفي الغرب بشكل خاص لم تعد هناك حدود صارمة بين الأجناس الأدبية، فمن السهل التنقل بينها، كما أن من أسباب هذا الانتقال رواج الرواية بين القراء وإقبالهم عليها في وقت ضعف فيه الاقبال على دواوين الشعر.