حين نقف لنفكر في دراسة واقعة أو مشهد أو ظاهرة حسية أو معنوية نضع تصورنا الأوَّلِي و الذي شكّله السماع و الإدراك و المشاهدة السابقة و المؤثرات المختلفة، من محيط حسيٍّ و معنوي و وراثي
و حتى طموح ذاتي خادع و حالم.
فهل نحن بكل هذه الحمولة الجبارة ننطلق
من طاولة الفيلسوف الممسوحة؟
أم أنها غير موجودة لا في الواقع و لا في الخيال ؟
و أي طاولة نستخدم في الغالب؟
و حتى لو تجاوزنا جدلا عيوبَ وجود الطاولة و تجريدها من المؤثرات و لو كان ذلك سبحا في الخيال
فهل نستطيع بتلك السباحة
التحررَ من مضايقات الواقع و الحمولة المعرفية
المتقدمة على الدراسة الآنية؟
و هل وصل فلاسفة الماضي إلى درجة
من درجات التجرد و التحرر؟
و هل استمرت تلك القبسات حتى نهاية
تدوين رأي حول ظاهرة ما ؟
أم أن التدوين نفسه و الألفاظ حملت هي الأخرى
نصيبها من المعوقات؟
كأدوات التوجيه و التقنين مثلا.
إن مجرد التفكير يحمل محدداته و أقواسه و جدرانه ،
فكيف إذا كان بلغة ما لها محدداتها الخاصة؟
و حين يُقنن ذلك التفكير بالكتابة و الحروف و الرموز ، و قدرة صاحبه في تلك اللغة و كتابتها يزداد ضيق الأفق
و تَقِل مجالات اختيار الأمثلة و الصور.
و من يدري لعلنا كنا أكثر حرية قبل ذلك التفكير و التصور
و قبل وُلوج عالم التدوين الواسع في دائرة تَحَرُّكه
المهملة في عالم الفضاء الأشمل.
شغف الفلاسفة و المفكرون بالولوج إلى المجالات الرحبة
التي تسمح بالتجوال غير المحسوب مُسبقا و دون نتائج
مطلوبة أو محبّبة و دون حتى تأثير مقصود على البداية
و المسار و النتائج ، لكنهم لا يملكون تجاوز تأثير
ما لا يُدركونه واقعا أو تخيلا
فهل هم بذلك مُقصرون في تحديد الطريق الأصوب؟
أم أن التقصير نفسه تكمن بداخله قوة دخولهم إلى
هذا العالَم و مُناورة التقصير نفسه و في مجالات قوته.
غالب الظن في رأي مار ٍ من المارين العابرين ذلك الطريق
أن التصور نفسه هو زيادة تصور و معلومات تحمل هي الأخرى غيمة من الضباب و لكنها تفتح نوافذ لمَن تكون السباحة هوايته المفضلة فقد يخدم المشروع بزيادة إيضاح أو تعتيم و بذلك يسجل حضوره الذي يمثل الحقيقة الوحيدة
في المسار المنشود.
إبراهيم الأندلسي