“العاصوف” مسلسل سعودي جريء جدا ، لأول مرة يكسر المحظور السعودي ، لذلك فهو ليس مجرد مسلسل درامي، بل ترس في عجلة التغيير، خاصة ان بطل المسلسل “ناصر القصبي” كان دائما محاربا للوهابية ، والافكار المتطرفة، من خلال أعماله الفنية، منذ تدشين سلسلة طاش ما طاش، حيث ظهر لنا لاول مرة من ينتقد هيئة الامر بالمعروف السعودية من خلال الدراما السعودية، ولعل هذا يوضح انه كان من وقتها هناك جناح سعودي قوي يعمل على التغيير من الداخل، وتخفيف حدة سطوة المتطرفين.
“القصبي” بسبب مواقفه المعلنة واعماله الفنية مُحارب من من قبل الجماعات الدينية المتطرفة داخل السعودية، وكذلك زوجته الأديبة “بدرية البشر” التي اتهمت من قبل المتطرفين بنشر الفجور من خلال كتبها، وخاصة روايتها الأخيرة ، والتي أحدثت هناك هزة كبيرة .
القصبي وزوجته جزء من جيل كان قد دشن مرحلة التحولات السعودية قبل “بن سلمان” ، جيل سعودي كامل يطلق عليه ” الليبراليون” ، وقد كانوا مُحاربين إلى فترة قريبة
وشكلوا جناح سعودي له علاقات بالسلطة قبل عقد من الزمن ، كجزء من الضغوط الداخلية من أجل الإصلاح، حيث كان هناك جناح اصلاحي داخل العائلة الحاكمة. ولم يتوقع احد ان الإصلاح الشامل سيأتي على يد “محمد بن سلمان” وبهذه الصورة.
هؤلاء الليبرالييون هم من بشروا بالسعودية الجديدة، التي يتحرك عليها الآن ابن سلمان مطمئنا، وهو ليس تجديديا ولا ليبراليا ولا حداثيا، ولا مثقفا ، وليس حتى واعيا بأهمية التغيير.
انه فقط صاحب سلطة وطموح يتحرك وفقا للضغوط الغربية ، وإرضاء لسلطان آخر، من أجل العرش، لأن الغرب الآن يريد التخفيف من ضغط انتشار التطرف ، لان التطرف ومركزه السعودية، والذي انتشر بأمر من الغرب لمواجهة الاتحاد السوفييتي، والشيوعية، وصل إلى الغرب وفجره.
لهذا جاء دور بن سلمان، الذي وجد مجتمعا كاملا كان يعيش في الخفاء، مجتمع واعي ومتقدم على زمن ، لكن مُحارب ومتهم، أو لهذا هو مُحارب، مجتمع من المفكرين بأرث ادبي وفكري قيم، ومن الفنانين والشعراء والكتاب، رجالا ونساء.
مجتمع المثقفين المتنورين يمكن الاعتماد عليه الان في هذه المرحلة ، مجتمع جاهز واهدافه وطنية، ومعارضته واعية وليس متمردا على حكم ال سعود . هكذا لا يحتاج “بن سلمان” لخلق مجتمع جديد من المثقفين المتنورين، فالاصلاحات الفوقية التي دشنها بأسلوب الصدمة والتسارع، تحتاج لمن يوصلها الى العامة لتصبح ثقافة وسلوك، وهذه هي مهمة الفن.
كما ان الفنان هنا هو من سيدفع الضريبة ويتهم بتشويه المجتمع، المسلسل يحكي قصة السعودية في السبعينيات، الحياة البسيطة ، والتفاصيل المعاشة المتشابهة مع المجتمعات العربية في ذلك الوقت، والحياة المتواضعة ليست هي كل التفاصيل بل الامر يمتد للعلاقات الاجتماعية والعاطفية، وتغلل الفكر الديني المتطرف واستيطان عناصر جماعة الاخوان الفارين من مجتمعاتهم في الشام ومصر، كلها تفاصيل مرئية مهمة تُؤرخ وتُغير.
هذا المسلسل هو حلقة في سلسلة ممتدة منذ عقود لمحاولة ايقاظ المجتمع السعودية، محاولات لم تتوقف، وكان ينظر لها بانها دعوة للتحريض او الخروج عن الحاكم، خاصة ان بعضها ربط بين السلطة الدينية والسياسية في المجتمع السعودي، ووقتها لم يكن مطلوبا تغيير او توعية المجتمع، عادة يكون المثقف الأصيل سابق لزمنه، وان حالفه الحظ يمكن أن تحدث التغيرات الكبرى في حياته.
فالفنان والأديب السعودي كان قد اتخذ الخطوة مبكرا جدا.منذ فجر السبعينيات، سواء كان معارضا لال سعود او ممن اختار التغيير من الداخل، فالمثقف يتحرك بدوافع ذاتية كمتنور ومجدد، هدفه الإصلاح والتغيير ونبذ التخلف والتخندق. هدفه وطنه ، وليس الصعود على العرش، من اجل الحقيقة وليس إرضاء الغرب، ولا تقليدا للغرب .
هؤلاء المثقفين الان هم من يحتاجهم صاحب العرش لنشر الوعي، بالصدمة و العاصوف، وهم من يمتص الصدمة ويدفع الثمن ايضا.. فهناك كمية هجوم على المسلسل في الوسط السعودي غير طبيعية، أو ربما طبيعية جدا. وهكذا يتغير المجتمع.
لقد كان المجتمع السعودي غير المرئي او المحارب، مجتمع حي لايتوقف عن التغيير والتطور والتمرد، خلاف صورته الذهنية، لذلك عرفنا في السعودية كتاب ومفكرين في عز ازدهار الوهابية مثل “عبد الله القصيمي”.. و “عبد الرحمن منيف” . برغم انهم حوربوا ومنعت كتبهم، لكن فكرهم وفكرتهم وصلت. وهم من قادة التنوير في المجتمع العربي ككل وليس فقط في السعودية .
هؤلاء وغيرهم من المثقفين، وينضم إليهم فيما بعد جيل القصبي و بدرية بشر ليسوا كتاب السلطان ولا مادحي الملك ، أنهم رواد التغيير في اي مجتمع ، وان خلى منهم اي مجتمع في اي زمن ،فإنه مجتمع ميت. هؤلاء هم روح المقاومة الخفية، والان جاء زمنهم .
ان ما يحدث في السعودية اليوم سوف يؤثر علينا غدا بشكل ما، كما اثر علينا انغلاق السعودية قبل 4 عقود، لذلك كانت السعودية وهي تنغلق تقدم لنا اسماء كبيرة في الادب والفن والفكر، ساهمت في الفكر العربي. مما يعني ان المجتمع كان حيا، لكنه لايُرى. لان رغبة السلطان والغرب في ذلك الوقت كانت متماشية وهدف المتطرفين. لكنها الان متماشية وهدف المتنورين، فلم يستيقظ بن سلمان فجاة ليقرر انه يجب يحرر السعودية من فكر المتطرفين والاخوان، انها خطة غربية مرسومة، فقد زال خطر الشيوعية ومعسكر اليسار، واصبح التطرف خطر على اصحاب اليمنين انفسهم، ولكن المستفيد الان هم من كانوا على الطرف الاخر في خانة التنوير، وانتهى زمن استفادة المتطرفين على حساب المتنورين.
الفن والأدب أن لم يكن جريئا.. لن يقوم باي دور.. ولن يترك أثرا… وسيصاب بالتخمة والخمول .. وأمراض إرضاء أصحاب السلطان.
منى صفوان – المقال من رأي اليوم