سيدي أحمد الأمير في كتابه "مدخل إلى الصحراء" (Initiation au désert) أورد السويسري المتخصص في علم الأعراق جان گابس (Jean-Paul Gabus) معلومات غزيرة عن رحلة قادته إلى بعض مناطق موريتانيا: فقد زار مدينة بتلميت في 4 ديسمبر 1950 وكانت له هناك يوميات سجلها في كتابه هذا، كما حل بالمذرذره يوم 4 يناير 1951 وسجل انطباعات مفيدة عن مشاهداته ولقاءاته بها. وقد خصص حيزا هاما للحديث عن الصناع التقليديين وعبقريتهم الفذة ونشاطهم التراثي والصناعي المتميز جدا. ثم انتقل إلى الحوض الشرقي مرورا بكيهيدي وسيلبابي وكيفه وتامشكط والعيون والنعمة ثم ولاته. وكانت له مغامرات مع النمادي وتقاليدهم في الصيد ونفض الصحراء. وقد صحبه في تلك الرحلة المثيرة المؤرخ الشيخ المختار بن حامدن رحمه الله فحلا بظهر ولاته في منتصف فبراير 1951 ولم تدم رحلتهم تلك إلا 14 يوما بسبب قلة زادهم من الماء. كما زار ولاته وتحدث عن عمرانها البديع ومكتباتها الغنية وشخصياتها السامية. وكنت قد نشرت في هذه الصفحة تسجيلا بينه وبين قائد النمادي السيد محفوظ وكان المختار بن حامدن يترجم بينه وبين جان گابس. كما كان معهم الشاب الولي (صاحب الرسم المرفق). كما أني نشرت بعض تسجيلات المؤلف وصورته النادرة للمطرب أحمد سالم بن محمد بن الميداح رحمه الله وكريمته الوالدة: بنت أبنو المقداد بنت الميداح مد الله في عمرها. وكان ضمن الرحلة الرسام السويسري العبقري هانس أرني (Hans Erni) المتوفى في مارس 2015 وقد بلغ من الكبر عتيا حيث تجاوز عمره 107 سنوات. ومعلوم أن هانس أرني هو من أبدع الجدارية الموجودة بالمدخل الأمامي لمبنى المتحدة بمدينة جنيف، كما أنه كان شيوعيا، وقد غامر جان گابس باصطحابه معه إلى موريتانيا رغم رفض ممولي مشروعه البحثي بالصحراء الموريتانية لسفر أرني معه. ترك الفنان التشكيلي أرني الكثير من الرسوم الموريتانية الجميلة من بينها رسم للزعيم الفاضل عبد الله بن الشيخ سيديا المتوفى سنة 1964 ورسم للقاضي محمذن بن محمد فال الشهير بلقبه امَّيَيْ والمتوفى سنة 1966، والوزير السابق السيد سيدي محمد الديين المتوفى سنة 2013 رحم الله الجميع. كما أن من بينها رسما لشاب يسمى الولي لم أعرف من هو لكن في تعريف جان گابس له طرافةً فقد نشر رسمه في الصفحة 104 من كتابه وكتب هذا التعليق: "الولي: شاب من زوايا المذرذره، كان مشاكسا لدرجة أنه كاد يقتل أحد ذويه بسبب خلاف في مسألة نحوية فأدخل السجن وهو ما سمح له أن يكون ترجمانا لنا".