كم دفعت مريم ثمنا باهظا نتيجة تسرعها في اتخاذ قرار عير مدروس.....
فقد كان زوجها أحمد سائقا يعمل في شركة مملوكة من طرف رئيس قبيلته رجل الأعمال "سيد محمد".
كان أحمد يعمل بجد وتفان ويسافر أسبوعيا بين فروع الشركة في الداخل، ويحرص على أن تكون تلك الرحلات الأسبوعية من نصيبه ليدخر من تعويضاتها مبلغا يضيفه إلى راتبه الشهري كي يتمكن من إعالة أسرته المكونة من زوجته مريم وابنته أسماء وثلاثة أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة...
وكانت ابنته الكبرى أسماء طفلة جميلة فائقة الذكاء، عليها يعلق كل آماله الجسيمة....
إنها تعيش ربيعها الربع عشر وتدرس في السنة السادسة من التعليم الأساسي.
ذات رحلة من رحلات أحمد إلى داخل البلاد وبينما كانت الأسرة تنتظر عودته رن هاتف مريم .. لتفتح الخط بسرعة وتقول أين أنت يا أحمد؟ فيجيبها رجل هادئ الصوت حزين النبرة "معك فرقة الدرك"....
لقد تعرض هذا الرجل لحادث سير أليم وفقد حياته للأسف الشديد.
شعرت مريم أن السماء سقطت على الأرض وأظلمت الدنيا في وجهها.....
أرادت أن توقظ صغارها لكنها أقلعت عن ذاك وفضلت أن تسامر الدموع والأحزان لوحدها...
في الصباح الباكر استيقظت أسماء تسأل أين بابا؟
تبادر مريم إلى كفكفة دموعها وتحتضن ابنتها بقوة وتقول إن في الله عزاء يا حبيبتي.. أبوك رحل عن الدنيا إلى رحمة الله ورضوانه.. تصرخ الفتاة وتنهال منها الدموع بغزارة.. وبدأت الأحزان تهاجم قلبها المسكين...
خرجت إلى ركن في البيت كانت تجلس فيه بجانب أبيها أحمد وارتمت فيه وهي تبكى وتناجى أباها الذي تستشعر وجوده معها .. كيف رحلت عنا دون استئذان؟ كنت سأفاجئك بتفوقي في الامتحان الأخير، كنت سأعيش معك فرحتي، فمن سيشجعني بعدك على التفوق؟ من سيشعرني بالدفء والأمان؟....
وتمر أيام العزاء.. والحزن يعصر قلب أسماء ، وترخص الحياة عندها وتضمر كل الأحلام.
في اليوم الثالث تتوقف سيارة فخمة وينزل منها رئيس الشركة، ويقدم لأهل أحمد واجب العزاء ويؤكد أن راتبه في الشركة سيظل مستمرا إلى أن تتحسن الظروف ....
أعجب الحضور بكرم رئيس الشركة وحسن مواساته، وظل يتردد على الأسرة المكلومة من حين لآخر....
وخلال زياراته يحدث مريم الأحاديث الحلوة ويعدها بعلاج أبنائها المعاقين ويلتزم لها بتوفير الظروف الملائمة لأسماء حتى تكمل دراستها.. بعدها سيعينها مدرية في شركته العملاقة ....
بعد سنة من رحيل أحمد زار رئيس الشركة بيت أهل أحمد زيارة تختلف عن زياراته المعتادة .. فقد سلم ونادى مريم ووقف معها في ركن البيت وبدأ يقول:( الل بيك ألا الخير) أنا اليوم جئت أطلب منكم يد أسماء، وقد كلمت عمها عبد الله الذي يعمل عندنا في الموضوع ولم يبق سوى قبولك؟...
مريم: بكل سرور
- طيب أترككم في أمان الله، سوف يأتيكم عبد الله من طرفي.. دعوا الأمر يكون سرا بيننا.
بعد لحظات من مغادرة الرئيس.. تدخل البنت أسماء قادمة من المدرسة فإذا بمريم تكاد تطير من الفرح....
أسماء -: ما الأمر ماما؟
مريم : أمر خير حبيبتي.
لقد زارنا بعدك سيد محمد.. وطلب يدك.. فألف مبروك.
أسماء: يدي !!!!! ما معنى ذالك؟!
مريم : معناها أنه جاء يطلب الزواج بك حبيبتي.
تسأل أسماء في دهشة: وبما أجبتموه ؟!
تجيب مريم لقد طلبك من عمك فوافق دون تردد فهو كما تعلمين رئيس قبيلتنا وصاحب منة علينا فكيف نرده؟
- إذا.. ماما لقد فعل كلما فعل من إحسان من أجل مأرب خاص!!
تقاطعها مريم:
- لا تقولي ذالك حبيبتي.. فالرئيس رجل كريم وإنما فعل ما فعل لطفا بنا ورجاء للأجر من الله....
- إذا.. افعلوا ما بدا لكم؛ لكنى أخشى أن تندموا على التسرع ذات يوم.
بعد يومين تدخل الأم مريم على ابنتها أسماء لتخبرها أن عقد القران قد تم في سيارة سيد محمد بحضرة عمها وشاهدين.. وعليه يجب أن تستعدى لمقابلة الزوج والمبيت معه في إحدى "كزراته" خارج المدينة كما أخبرني عن طريق الهاتف...
ظل الرئيس سيد محمد يزور زوجته الجديدة أسماء في الأسبوع مرتين .. ويعيدها إلى بيت أهلها في ساعة متأخرة من الليل .. مبررا الأمر لزوجته الرسمية بأنه كان في سفرة أو في اجتماع....
وبعد سنتين تتصل مريم بسيد محمد لتبشره بأن أسماء حامل وفي شهرها الثاني.
سيد محمد:
- كيف ؟ أما اتخذنا الإجراءات اللازمة لمنع ذالك؟؟!!!
مريم :
- كل ما أعرفه هو أن البنت حامل...
سيد محمد:
- طيب سأتصل بكم لاحقا...
وتمضى أيام دون أن يتصل سيدي محمد، فتحاول مريم الاتصال به فإذا بجميع هواتفه مغلقة!!
بعد أسبوعين يأتي العم عبد الله وينادي مريم ليسلمها مبلغا من النقود.. ويخبرها أن الرئيس طلق أسماء....
فتبدأ المعاناة الحقيقية ويزداد حِمل الهم الذي تتحمله مريم .. فقد كانت تسهر على رعاية أطفالها المعاقين.. وهذه أسماء ألجأها الوحم إلى التوقف عن المدرسة، وأصبحت طريحة الفراش...
في نهاية الشهر الموالى زارت مريم مقر الشركة لتستلم راتب زوجها كالعادة.. فإذا بالمحاسب يخبرها أنه تلقى أمرا من الإدارة بقطع الراتب...
لتعود أدراجها إلى بيتها والدموع تنهمر كالسيل الجارف من عينيها.....
تردد أسئلة لا جواب لها:
أية مصيبة تحل بنا؟؟
يبدو أنني تسرعت كما قالت أسماء!!
أين حنانك وعطفك يا سيد محمد؟
وأين وعودك وكلامك المعسول؟
أمقابل نزوة تدمر مستقبل طفلة قاصر كانت تعلق عليها أسرتها الأمل الكبير...؟
أين أنت لأسمعك ما تكره.... ؟؟
أم تراك الآن تخطب ود أسرة فقيرة لتختطف أحلام ابنتها وتسلك بها دربا جديدا من دروب الضياع!.......؟