خارطة الضياع

سبت, 04/17/2021 - 06:27

إبراهيم الأندلسي 

شاعر موريتاني مقيم بالمهجر

 

وجدتُ نفسي فجأة في ذلك المكان الموحش ؛المزروع ببذور الخوف ومنعطفات الضياع،حتى أرضه لا تعرف الثبات ولا التماسك ولا معنى الجوار.
وجدتُ نفسي في ذلك المكان المتحرك المتموج اللين الذي يجمع منتهيات التناقض و عبثية الأشكال و الأرقام.
كانت البداية عادية ككل البدايات، سريعة كغيرها من مواقف الحياة، تتم الموافقة عليها دون تمحيص .
كان الأفق يرسم خطه المستقيم الذي لا يشبهه خطٌ غير خطوط المخيّلة و التجريد الرّياضيِّ ،
حين وصلت إلى نقطة ما في ذلك المشوار بدأ الخوف يداعب التفكير كعادته في زرع الخور في الأجسام مرتعشة أو ثابتة، و لولا ذلك الأمل المدفون في أعماق النفس البشرية- كمعين ومستودع للدواء- لكنت جلست أنتظر المصير مثل الجموع الجاثية أمام حفنة من المجندين.
قررت أخيرا جلسة استراحة تجميعا لقواي ، درتُ حول نفسي دورة باحث لاهث ، كانت الأشكال تشبه بعضها حدّ التطابق،إنها مثل الأمواج تتّحد في وجه الغريق ،لا وجود لأي تلٍ أعتليه ولا لغصن أمتطيه،إنها الأرض الواطئة ، منبسطة الوجه في هدوئها الأبدي , واصلت وكان الغناء زاد المسافر و سلوة الحزين، رددت الشعر و الشعارات التي تكسب الثقة والحماس ،لكن الفوائد تجلب أعراضها الأخرى أحيانا كثيرة ,بدأت الأطراف تتأرجح كأنها رقصة الطائر المذبوح ، فقدت اتجاهي مرات ومرّات، إن كان هناك اتجاهٌ أصلا ، لا أدري كم عدد المقاطع في اتجاه العودة.
إن العالم المتلاشي فوق كرته الدائرية، يجعل كل شيء يدور،الأفكار والأوصاف والعَداء والسلام والأيام وحدها لا تدور.
قررت مواصلة الطريق فهي أحسن الخيارات المتاحة في ظرف كهذا ،وأدوات كأدواته لم يكن عطشي أشدّ من تعطّشي إلى معرفة المجهول الكامن في نهاية المشوار الصعب رسمتُ لمخيلتي نهايتها البطولية، وفوزها المحقق،و رتبت لها خيط النجاة، من الذي يستطيع حرمانها من ذلك ،لكن العطش لا ينتظر المنظور ولا يحسن السباحة في مستقبل المطبات ولا تراتب الأسماء ؛مدُنًا كانت أم أوصافَ طريق ،الواقع شيءٌ آخر مختلف تماما فهو لا يتجاوز حساب الأرقام ,وحين أيقنت الهلاك بدأت معالم الطريق تتغير شيئا فشيئا و قسوتها الظاهرية تخف هي الأخرى،أبصرت أشياء قريبة،أشياء تبعث الأمل من جديد و ترسم البسمة على شفاه المغتربين ،كم كان رائعًا ذلك العابر الذي فكر في غيره،في المارين في العصافير ، لا شك أنه عطش لذلك ترك سؤره في الكأس ,فنجاة غيره هدف أسمى كحياتنا بدماء الشهداء ,أمسكتها كي لا تضيع ،رفعتها كي أنتعش لامست حافتها الشفاه ،بدأ التفكير الخائف مرة أخرى يداعب الشعور،ألست في بلاد المصائد والدسائس؟
ربما يكون مسموما ,دار شريط الذكريات بسرعة فائقةمرت فيها أفلام المخططات والتجسس,كانت تلك المدة كافية لتبلل قميصي وضياع فرصة نادرة .
أدركتُ متأخرًا أنه كان علي أن أشرب ؛فشبح الموت قادم في الحالين غير أنه في هذه قد يحمل الحياة و مازال الكسعيّ ينتظر الظباء بلا قوس ولا كنانة ولا حتى أصابع...

 

___

القصة الفائزة بالمركز الأول في مسابقة موقع رواء الأدبي 2010