يقولون حصن ثم تأبى نفوسهم.. وكيف بحصن والجبال جنوح؟
من أي بحر أمتح كلمات ترقى لجلال الرزء، ومن أي صخر أَقُدُّ تصبرا؟
الأمجد اسما ووصفا يغادرنا إلى ملكوت الله، في يوم حزين علينا جميعا محبيه وأصدقاءه، وما عرفه أحد إلا كان محبا له وصديقا.
كان كوكبا دريا تجمعت فيه أشتات المفترقات في عباد الله، فتى بما تنوء به كلمة الفتوة من حمولات متعددة عند المجال الحضاري والثقافي الذي ينتمي له.
جاد علي الزمان الذي كدر علي اليوم بفقده، بالتعرف عليه قبل حوالي عقد ونصف من الزمن، كان أيامها بدرا مكتملا وكنت مُذنَّبا يروقه أن يدخل مجال جاذبية البدور.
رغم الاعتبارات الاجتماعية - التي لها سطوتها - والتي لعل من أبسطها انتماؤنا لوسط قِيَمي واحد، يضع أسلاكا شائكة دون احتكاك غير المتجايلين بعضهم ببعض، إلا أن الأمجد كان قريبا من الجميع، ومني بالأخص، حيث منحني شرف خلته، وهو فخر أتشرف به، ولم تكن صداقة ميوعة وخروج على سلطان حدود وضوابط العلاقة بين غير الأتراب.
عرفت الأمجد: العالَم: العالِم، العبقري، الشاعر، الصحفي، اللبيب، الظريف، الكاتب، الطيب، النبيل، المؤمن، المسلم، الذي لا يكن لأحد من المسلمين ضغينة.
كانت مجالس الأمجد بالنسبة لنا -جميعا - أيام أعياد فيها الظرف وخفة الظل والإفادة.
ألقى الله على سليل الفقيه المختار محبة منه، وحببه إلى الخلائق أجمعين، ما من أحد يعرف الأمجد، إلا وهو يحبه.
وقد برهنت على ذلك جنازته التي لم تكن جنازة تقليدية، حيث غصت جنبات المسجد بالحزانى القادمين من كل حدب وصوب.
أشهد لأخي الأمجد وهو في دار الحق والبقاء، وأنا في دار الفناء والعدم أنه كان مسلما مؤمنا لا يضمر شرا لمسلم، جُبل على الكرم والسخاء والأريحية؛ طبعا لا تطبعا.
كان قبسا من النبل والأريحية، شعلة من العبقرية واللوذعية، جاز قنطرة الذكاء إلى الألمعية، إذا خيض في أي مجال ستقسم إنه لا يتقن غير ذاك المجال.
إلى حسن أخلاق ودماثة طبع ولين عريكة وسعة صدر، كان شخصا عادم النظير، وشدة القرب حجاب، والمعاصرة تنفي المناصرة.
استجمعت شجاعتي، وكنت بطلا حين كتبت، وبعض التأبين تنفيس عن الحزن، وأصدقاء الأمجد جميعا حزينون اليوم حتى ما في كأس الحزن سؤر..
كتبت، لكن أعلم أن ما كتبت سيظل دون ما أبغي، وأنه لكي أكتب كتابة تسامي الفجع على أن أبتعد قليلا عن الاندماج في مشهد الحزن، ولكنما هو الحزن ممسك بتلابيبي..
لا أخاف على الأمجد، فهو مسلم مسالم، نشهد له أنه كان من أهل الخير، وقد قدم إلى رب رحيم.
قبيل صلاة الجنازة لمحت خاله ووالده الداه، وقد خرج من بيت التغسيل، هرولت إليه ثم عدلت عن مصافحته، يمكن أن أنهار أمام الشيخ، وذاك ليس من بر الأمجد..
رحم الله الفاضل ابن الفاضلين محمد الأمجد بن محمد الأمين السالم ابن حماه، وأبدله دارا خيرا من داره، وبارك في آل بيته أجمعين، وأخلفه خيرا منهم وأخلفهم خيرا منه.
وإنا لله وإنا إليه راجعون..