أنا والإستقلال والمغرب / (التحولات الكبرى) / ناجي الإمام

جمعة, 11/24/2017 - 01:21

(الحلقة 5)
كانت (1970/1969)السنة الدراسية التي شهدت على مستوى قريتنا حدثا احتفى به الأهالي ورأى فيه المتنورون، وهم قلة ، انتكاسة سيكون لها بالغ الأثر في مستقبل مئات الأطفال،ذلك أن الفصل اليتيم الذي افتتح سنة1966بجهود مضنية من الخيّرين ظل يتحول دون أن يتجدد بفصل مكمل ومع الرسوب والتسرب وصل عدد المتجاوزين إلى السنة الخامسة سبعة تلاميذ من أصل تسعة تقرر تحويلهم إلى مدرسة مقطع الحجار (عاصمة المقاطعة) فكانت الطامة لأن الأهل لا يفهمون أن "يتغرب" الولد إلى غير المحظرة التي لم نبلغ سنها ولا علمها.
إلى المدينة كان الواصلون لمتابعة الدراسة ثلاثة صبيان من أصل سبعة. وبنسبية الأشياء كنتُ أكتشف الناس ونمط الحياة بفضول وحب استطلاع .
بعيدا(!!) عن دفْءِ العائلة كان المبيت الأول في القسم الداخلي مخيفا فقد بدأ شباب المدينة في وسمنا بالبداوة والجلافة و الإرجاف بالتخويف من المراقب العام الذي جاء ليتأكد من أننا ثلاثتنا قد أفرد لنا صحن وحصلنا على بطانية مشتركة .
وكما كانت تلك السنة تحولا فارقا في حياتنا الصغيرة فقد كانت سنة التحولات الكبرى في البلاد عموما وأذهان جيلنا المراهق خصوصا. 
لقد طفقت حركة الكادحين تعبئ مستصغر الشرر من تلاميذ الابتدائيات دون حدٍّ في السن ولا الاستيعاب،وتزرع في روعهم الشعور بالظلم وحتمية الثورة من أجل العدالة والحرية وكان الشحن في غاية القصدية والنجاعة ولعل النموذج الثوري الماركسي الماوي من أكثرالايديولوجيات اعتمادا على التثوير الثقافي فالأغنية المطلبية والقصيدة الحماسية و تحرير العقل من الخوف الميتافيزيقي يحرر الطاقات ويستبدل عقلية التردد بصدامية المواجهة مع "العدو" الذي هوكل من يمثل النظام من المعلم الرجعي إلى الحاكم.
واندمجتُ بسرعة فائقة في النضال المدرسي وكانت الدراسة نزهة فمدرس اللغة العربية العلامة الفاضل ابن الفضلاء المرحوم الشيباني بن بلال تعرف علي وأصبح في بعض الأحيان يكل لي الفصل أما مدرس الفرنسية فكان طيب الذكر المصطفى بن سيدي بابا وكان جيد الدرس مرغوب المنهج محترما لدى كبار الفصل وكانوا خمسة يرهبون الصغار ولكن المكانة التي بدأت أشغل بانتمائي الذي أصبح شائعا بين التلاميذ ، جعلتهم يحترمونني، ثم إنني لا ألعب الورق ولا أصارع و لم أدخِّن إلا بعد البلوغ ،وقد تعزز احترام الزملاء لي بعد أول قصيدة ،ألقيتها في حفل المدرسة بالاستقلال ،رغم ما فيها من أخطاء.
كان من أقرب أصدقاء الفصل لي الاستاذ خطري ولد محمد أعمر و الشاعر أبوبكر بن سيد الشيخ.
في هذه المرحلة كان الاهتمام بما وراء الحدود قد انحصر في الصين وفياتنام والكمبودج و كوريا والزويرات وتوقف الاهتمام بنشرة الاخبار الامبريالية من لندن و الشوفينية من القاهرة والرجعية من نواكشوط والرباط.
وكان السرداب المؤدي إلى الثورة الثقافية الكبرى يتسع أمام الحركة العمالية والفلاحون في صفوفهم الحمراء يشكلون تفاصيل الحلم الذي ينفلق عن الرفيق لين بياو وهو يحمل بيده اليسرى الكتاب الأحمر يلوح به ليوم النصر الآتي على جبال "تايشان" الغضرة،يداعب أخيلةمراهقي آفطوط القاحل المتخلف...
..يتبع..