يقول الفيلسوف
سيجموند افرويد:
"الجموع خاملة و عديمةُ الذكاء ، و لابد من
سيطرة الأقلية لبناء الحضارة"
من الواضح للعين المجردة أن مثلث البناء يجلس على قاعدة عريضة، بينما يتناقص كلَّما ازداد ارتفاعا، حتى لكأنه يؤول إلى نقطة مُتناهية الصِّغر.
كلمة الأقلية رغم ورودها مُفردة و جمعا في لغة الثقافة و السياسة و غيرها إلا أنها تحمل في طياتها تناقضا صارخا، إذ أنها تعني نقيضين مختلفين تماما، فهي تعني الأقلية المتحكمة و التي تُمسك دفةَ القيادة و تعض عليها بالنواجذ،
و الأقلية هي تلك المجموعة المغلوبة و المنهوبة ، اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا...و التي تقبل الخضوعَ و تُعطي زمامها للآخر بأفراده و أدواته و مؤسساته.
فماذا يعني "افرويد" بالجموع؟
و ما هي الأقلية في مقولته؟
و من أين تجد هذه المقولة مصداقيتها ؟
و هل تُصنَّف الجُموع حسب العدد ؟
أم العِرق و اللون؟
أم أن ما يجمعها هو عدم وجود درجة الذكاء المطلوبة ؟
نظرَ كثيرٌ من الفلاسفة و المُفكرين إلى القوة و العلم و الثروة و العقل ... و جعلوها من أهم عوامل دخول النادي الخاص ، نادي النبلاء و الصفوة المختارة، فهل كان ذلك صائبا؟
ربما تكون الجُموع في مقولة الفيلسوف "افرويد" هي الغالبية داخل كل مجتمع أو تنظيم أو حزب أو دولة أو مدينة ، و هي غالبية لم تُتح لها نفس الظروف ، و لم تُصرَف عليها نفسُ المَوارد، فهل سيكون الحُكمُ عليها بشكل مُسبق أمرا مقبولا؟
من نافلة القول إن القيادة مُفردة و تزداد تناقصا كلما كثُرت الجُموع ، إذ لا يُمكن تصور قيادة يتشاركها كل أفراد المجتمع و لذلك عرّف بعض المفكرين الديمقراطية بأنها
" الحق في اختيار مَن سيحدُّون من حُرِّيتكَ" فهل هذه المجموعة المختارة هي التي يقصد " افرويد" لقدرتها على بناء الحضارة ؟
رغم أن اختيارها قد لا يحمل درجة الذكاء المطلوبة للبناء و التّطوُّر،
و هل ظَلَّ افرويد الفيلسوف و المُفكر الكبير يحمل في الوَعيِ أو اللاوعي فكرةَ التفوق و النُّبل التي توحي بوجود فكرة الغوغاء و العَامة
المَوجودة فقط لتَمَثُّل طريق النُّبلاء و الحِرص على خدمتهم؟
أم أنه يقصد الأقلية التي يُحدِّدها العِلمُ و الفِكرُ و الشجاعة ؟
كل ذلك وارد ، ففي تركيب الإنسان و بناء العقل تكمُن دائما رواسبُ العِرقية و العصبية و الذات الفريدة، و قد تتولد من الثقافات و التعايش، و قد تكون لإشباع غرور ذاتي غالب!
مَن يدري فالكوامن الخفية تظل دائما عصيةً على الدراسة، و لذلك يكون تبريرُها صعبا، و يظل إطلاق لفظ التعميم خاطئا و صادما و بالخصوص إذا جاء من نُخبة الفكر .