بين "مرتفعات" إفيزويتن الرملية الشاهقة ووهاد "العاظيم" المستوية المتخلله بالرمال والهضاب الصخرية في ولاية إينشيري تتربع منطقة "لعباره" التي تحوي ما يعرف باعريش لعباره وشاء الله لهذه المنطقة النائية المهجورة أن تصبح كعبة الزائرين ومحل حط رحل ذوي العياب الحاجية ليرجعوا بها ملأى بعد أن أتوا بها فارغة، كان قَدَر ُتلك المنطقة أن تحمد غب احتضانها أحد أبرز أعلام القرن الثالث عشر - الرابع عشر الهجري وابن أحد أكبر أولياء وصلحاء البلاد.
كثيرا ما كنت أسمع عن خوارق الرجل الصالح الشريف محمد محمود المعروف ببدي
الذي قال فيه الشاعر والعالم والصالح الكبير امحمد بن الطلبه اليعقوبي عندما سمع بقدومه لحيه:
قلت إذ أخبر المخبر عنكم
أنكم جئتموا هنا مرحباهي
مرحبا مرحبا وأهلا وسهلا
مرحبا مرحبا بغير تناهي
ابن الإمام سيد محمد الشريف الصعيدي الذي يقول فيه ول الطلبه نفسه من قصيدة بديعة:
هذه إليك هديتي يا سيدي
وا ضيعتاه إن أنت لمَّا تقبل
ويقول في مرثيته له:
له التصرف من بعد الممات كما
كان التصرف في المحيا له دينا
وهذا من رجل عالم صالح يعي ما يقول كابن الطلبه يكفي.
وكنت أسمع أن محل دفنه يسمى "أعريش لعباره" ولم يكن بوسع خلدي يوما أن أتخيل وصولي لتلك البلاد النائية فضلا عن أن أسكن قريبا من المدفن لأنعم بهكذا زيارة، حتى شاء الله ذلك، وكان الزمان: أحد أيام شتاء 2010م حينها وكان خريف تلك السنة مميزا كنت باقليم إينشيري وبالذات بالمنطقة الواقعة بين "ألهيَّ" "وانويرماش" كان لي أن أجد رفقة إلى مدفن أعريش لعباره حيث الشريف بدي، بدي الذي سبق أن قلت في أبناءه الكثير والكثير لله الحمد من القريض من بينه:
أبناء بد صلاحهم مشهود
شهدت به بعد الجدود جدود
الصعب في أندائهم مستسهل
والبر في أندائهم موجود
والعرف في أرجائهم متعارف
والنكر في أرجائهم مفقود
وعلى خطا الهادي يشب شبابهم
وعلى خطاه يولد المولود
فتسنم العلياء سيد محمد
من بد فهو الصالح المعهود
إذ سيد قومه وجوادهم
فهو الإمام الصالح المشهود
وتوارثتها بعده أبناؤه
فالكل بحر زاخر مورود
ما بين بر أو سخي فاضل
أو صالح بصلاحه مشهود
قد صانها الحسن السني بجوده
ومحمد، ومحمد محمود
وابنتَّ ما أدراك ما ابنت ارتقت
فلها وجود في الكرام وجود
ومن المعروف أن طريق مدفن أعريش لعباره للقادم من انواكشوط السائر في اتجاه اكجوجت يعرج لليمين عند الكيلو متر 78شمال شرق انواكشوط أي قبل أن يصل أم التونسي بكيلومترين ويقطع مسافة 50كيلومتر تقريبا إلى الشمال الشرقي دون أن يعرج بعدها يظهر له منعرج لليسار عليه أعمدة كلما قطع مئات الأمتار تظهر له علامة على الطريق حتى يظهر له البيت الموجود عند قبر بدي، وكان الأوان: الجمعة 18 محرم 1432الموافق24دجمبر 2010م عند وصولنا المدفن كان من الموافقات السارة - ولا أقول الصدف لأن فيها نوعا ما من نفي القدر وأن الامر أنف - كان من الموافقات أقول أن وجدنا حفيده الصالح الشيخ باباه ول محمد ول بدي قد سبقنا لضريح جده وهو أقرب الحاضرين هناك لبدي بل هو أول من جمع بين أَبَيْنِ "بَدِّيَّيْنِ" فقلت ارتجالا:
توجهنا بباباه لبد
وكل بني الشريف سليل سعد
لنيل القصد فاز بنيل قصد
محب زار بد لنيل قصد
وما خاب الذي قد جاء يبغي
نجاح القصد غب مزار بد
باباه الذي سبق أن قلت فيه القصيدة السابقة حيث أخصصه بقولي:
وإذا ركنت لطود عز شامخ
منهم فذاك محمد مولود
"باباه" من فاق الأنام كرامة
حتى غدا ما مثله موجود
فصلاحه بين البرية ذائع
ولنا على ذاك الصلاح شهود
إلى أن أقول:
وإذا أتى المجدود والمجهود لا
يخشى الردى المجدود والمجهود
كل بما يرجو يولي ظافرا
والعزم منه أنه سيعود
كملت محامده فشعري قاصر
عن حصرها المنشوء والمنشود
أما عن بدي نفسا فقد ولد أواخر أو بحر سنة 1223هـ بعد قدوم أبيه بما يزيد على سنة ودرس بد على أهل محمد سالم وكان مع هذا على جانب عظيم من الصلاح ومعروف بسرعة انتقام رب العالمين له وعاش حوالي الثمانين وخلف أبناء وبنات نظمت الذكور في بيت من ألفية بطاقةالتعريف والبنات في شطر منها فقلت:
لبدِّ: باباه، محمد الأمين
سيد، محمدُّ، محمدُ المكين
من البنين وسوى البنينا
عائش،سلمى، مريما، منينا
انظر ألفية بطاقة التعريف التي يبلغ عدد أبياتها 1288 بارك الله فيها وفي قائلها، ومنظومة الإتحاف بمدافن الأشراف، وتحفة الظرفاء بأنساب الشرفاء لصاحب هذ الحساب. ومن أشهر ما قيل في بدي بن الإمام سيد محمد الشريف وأبنائه كَاف أحميد بن بت الركوني:
ايه أشريف ألا كيفُ كيفْ
بد وَوْلادُ ذُ نَّعرفْ
والخاطيهم من حد أشريف
يدَّاع شرفْ ما نعرف
مانِ كايل عن حد أشريف
أما ننفِ عن حد الشرف
عبد الرزاق راكب الأسد