
(تراصيع على وجه الرمل) ليس كتابا سرديا تقليديا، بل هو محاولة لالتقاط حياة الإنسان الموريتاني في لحظات انكشافه القصوى.
النصوص فيه تتراوح بين التحقيق الصحفي والقصة القصيرة جدا واللوحة التأملية، مما يجعل الكتاب ينتمي إلى أدب الهامش والحدود(أدب الهامش (Literature of the Margin)
هو الأدب الذي يكتب عن
-الفقراء
-الأقليات
-السكان المنسيين
المهمّشين سياسيا أو اقتصاديا
-الطبقات التي لا يسمَع صوتها عادة..
يهدف إلى كشف الحياة اليومية للذين يعيشون خارج دائرة السلطة والقرار والثروة.
هو أدب يقف في مقابل (أدب المركز) الذي يمثل النخبة، المدن الكبرى، السلطة، الأيديولوجيات الرسمية.
الهامش هنا ليس مكانًا جغرافيا فقط، بل موقع اجتماعي وثقافي.
يكتب الشيخ بكاي ليس بصفته مراسلا صحفيا فحسب، بل شاهدا يحمل انفعال الفنان ودقة الصحفي.
ولهذا تُعد (التراصيع) مشاهد محفورة على جسد الرمل، في أثر هش سرعان ما تمحوه الرياح لكنه يظل شاهدا على لحظة إنسانية كثيفة.
المحاور الكبرى في الكتاب:
1. الإنسان في مواجهة الصحراء:
يضيء المؤلف وجوه الناس الذين يعيشون على الهامش
-الرعاة
-البدو
-الفقراء
-المهاجرون الذين عبرتهم الدولة ولم تعبرهم رحمة الحياة..
الصحراء ليست خلفية فقط، بل شخصية كبرى، قاسية وصامتة، تبتلع الضعفاء وتختبر الأقوياء.
2. التقاط الألم الإنساني:
تتحول القصص القصيرة جدا إلى ومضات ألم
طفل يموت جوعا، امرأة تحمل الماء عشرات الكيلومترات، راعٍ يبحث عن قطيع تاه في العطش..
الشيخ بكاي لا يصرخ، بل يكتفي أن يصف الجرح وهو ينزف، فتتكفل اللغة بإيصال النداء.
3. المفارقات الاجتماعية والسياسية:
في كثير من النصوص، يظهر نقد ناعم – لكنه عميق – لسياسات الفقر، ولعجز الدولة، ولواقع الناس الذين (يمشون على الرمل ويمشون فوقهم).
هنا لا يعلن الكاتب موقفا، بل يجعل القارئ يرى
البيروقراطية و
اللامبالاة،
وسوء تدبير الموارد.
وغياب العدالة الاجتماعية
من خلال صور إنسانية، لا من خلال خطاب مباشر.
4. جماليات البساطة:
تكمن قوة الكتاب في أنه يصنع أدبا من التفاصيل الصغيرة..
ظل خيمة..
زخة مطر عابرة..
نظرة طفل..
صوت حفيف الريح.
هذه التفاصيل تصبح مجازا عن حياة كاملة محمولة على حافة الاندثار.
الأسلوب الفني:
1 الجملة المكثفة:
لغة الشيخ بكاي مختصرة، ولامعة، ومشحونة بالمعنى.
الجملة تشبه ضربة ريشة على الرمل:
قصيرة، لكنها تترك أثرا.
2. المزج بين السرد والتحقيق
يمزج الكاتب بين:
موضوعية الصحفي
حرارة الشاهد
و لمسة الأديب.
فتولد نصوص تبدو حقيقية مثل الوثيقة، وجميلة مثل القصيدة، وحادة مثل الشهادة.
3. الصورة البصرية
تتكرر في الكتاب صور:
الرمل
الشمس
الطريق
الجوع
الخيمة
خط الفقر
وكلها تتحول إلى رموز لمجتمع يتحرك بين البقاء والانقراض.
.4- القيمة الأدبية والفكرية للكتاب
من الناحية الأدبية يعد الكتاب مساهمة في أدب الصحراء و(الأدب الواقعي الموريتاني)، لأنه يلتقط ما لا يكتب عادة عن الطبقات المنسية.
من الناحية الصحفية: يمثل وثيقة تاريخية عن تحولات المجتمع الموريتاني خلال العقود الأخيرة، وحياة الناس تحت ضغط الجفاف والهجرة والفقر.
من ناحية الفكر الاجتماعي يعكس وعيا نقديا لا يصرح، بل يترك للقارئ أن يكتشف اختلالات البنية الاجتماعية والسياسية.
(تراصيع على وجه الرمل) هو كتاب عن الإنسان الموريتاني حين يترك عاريا أمام الصحراء والدولة والقدر.
وهو محاولة لإثبات أن الأدب يمكن أن يكون وثيقة، وأن الوثيقة يمكن أن تتحول إلى أدب، عندما تكتب بلغة تحترق بصدق التجربة.
قاسم صالح.










