الدكتور محمد محفوظ يطلّ من القاهرة بكتاب: "تداخل التيارات في الشعر العربي الحديث.. الشعر الموريتاني أنموذجًا

اثنين, 12/08/2025 - 19:12

عمل علمي يسعى إلى إعادة قراءة المشهد الشعري الحديث من زاوية مغايرة

 

 

صدر حديثًا عن دار النخبة للنشر والطباعة والتوزيع، كتاب «تداخل التيارات في الشعر العربي الحديث – الشعر الموريتاني أنموذجًا»، للباحث والشاعر والناقد الموريتاني الدكتور محمد ولد محفوظ، في عمل علمي يسعى إلى إعادة قراءة المشهد الشعري الحديث من زاوية مغايرة، تكسر التصنيفات التقليدية وتعيد مساءلة الحدود الفاصلة بين التيارات الأدبية.

ينطلق المؤلف في مقدمة كتابه من فرضية أساسية مفادها أنّ التيارات والاتجاهات في الشعر العربي الحديث «حدود مصطنعة وخطوط وهمية»، وأنّ الشاعر الحقيقي قادرٌ على تجاوز كل تصنيف والتحرّك بين الاتجاهات دون أن يُختزل في إطار واحد.

 

تداخل التيارات

ومن هذا المنطلق يتعامل الكتاب مع «التداخل» لا بوصفه ظاهرة عارضة، بل باعتباره البنية العميقة التي تقوم عليها التجربة الشعرية الحديثة.

ويستند الكتاب إلى وحدتين دلاليتين كبيرتين كوّنتا نواته المركزية: الأولى هي تداخل التيارات الأدبية، والثانية الشعر العربي الحديث، قبل أن يختار المؤلف الشعر الموريتاني أنموذجًا تطبيقيًا لهذه الدراسة.

 

الإهمال النقدي للشعر الموريتاني

ويؤكد ولد محفوظ أن الشعر الموريتاني ما زال بحاجة إلى مزيد من الاهتمام الأكاديمي لإزالة ما يكتنفه من إهمال نقدي، الأمر الذي جعله عينة مناسبة لرصد ظاهرة التداخل بين التيارات الشعرية، وقياس مدى تجلّيها في هذا الفضاء الإبداعي.

أما من ناحية الإطار الزمني، فيعتمد الكتاب الفترة الممتدة من أواخر القرن التاسع عشر حتى نهاية القرن العشرين، وهي مساحة زمنية واسعة تتيح – بحسب المؤلف – اختبار صحة الفرضية التي يتبناها: هل التداخل بين التيارات سمة ثابتة في تاريخ الشعر العربي الحديث أم مجرد حالة عابرة؟

 

رؤية جديدة للتيارات الأدبية

ويرى الدكتور محمد ولد محفوظ أن أهمية هذا البحث تتجلّى في اقتراح رؤية جديدة للتيارات الأدبية، رؤية تقوم على أن هذه التيارات، رغم اختلافها الظاهري، متساكنة ومتواشجة، يمهّد بعضها لبعض، ويتفاعل اللاحق مع السابق في علاقة أخذ وعطاء، بعيدًا عن الفكرة الشائعة التي تعتبر كل تيار جديدًا ثورة على ما قبله أو قطيعة تامة معه.

ومن هنا ينتقد المؤلف التعسّف الذي يلازم عملية «تصنيف» الشعراء في مدارس محددة، معتبرًا أن كثيرًا من الدراسات والمراجع العربية بالغت في هذا الاتجاه حتى غيّبت التعقيد الحقيقي للتجربة الشعرية.

ويُنتظر أن يقدّم الكتاب إضافة مهمّة إلى الدراسات النقدية العربية، خصوصًا في ما يتعلق بتأصيل مفهوم «التداخل» في الشعر، وإبراز خصوصية التجربة الموريتانية في سياقها العربي العام، وإعادة قراءة تاريخ الأدب الحديث بمنهج يتجاوز الفصل الصارم بين التيارات والمدارس. 

إضافة نوعية إل الحقل النقدي العربي

يمثّل كتاب «تداخل التيارات في الشعر العربي الحديث – الشعر الموريتاني أنموذجًا» إضافة نوعية إلى الحقل النقدي العربي، ليس فقط من حيث الموضوع الذي يتناوله، بل من حيث المنهج الذي يعتمده، والذي يطمح إلى إعادة النظر في جملة من المسلّمات والحدود التي ظلّت راسخة في أذهان الدارسين لسنوات طويلة.

فالمؤلف يفتتح كتابه بفرضية جريئة ترى أن التيارات والمدارس الأدبية ليست سوى حدود مصطنعة، وأن تصنيف الشاعر داخل إطار واحد فيه تبسيط مُخلّ بتعقيد العملية الإبداعية. وهذه الفرضية، على بساطتها الظاهرية، تعيد توجيه البوصلة النقدية نحو مسار طال إهماله: الانفتاح بين التيارات وتفاعلها وتجاورها داخل التجربة الشعرية الواحدة.

 أهمية الكتاب في نقد التصنيفات الجاهزة

أبرز ما يميز هذا الكتاب هو أنه يعيد مساءلة التقليد النقدي الذي تعامل مع التيارات الأدبية – من الكلاسيكية إلى الرومانسية فالواقعية وما بعدها – بوصفها جزرًا منفصلة لا يربط بينها شيء.

وقد أدّى هذا التصور إلى تفسير أحادي للنصوص، يجتزئ الشاعر في مرحلة أو مدرسة، ويغفل طبيعة الشعر نفسه القائمة على الامتزاج والتداخل والتحوّل. من هنا تأتي أهمية هذا العمل، إذ يكشف المؤلف بوضوح أن الشاعر الحقيقي يسبق التصنيف ويتجاوزه، وأن التيارات الأدبية، في لحظات تشكّلها وتطورها، تظل متساكنة ومتشابكة، يتداخل فيها اللاحق بالسابق، في علاقة لا تخلو من الأخذ والرد.

 

مقاربة منهجية غير مألوفة

على خلاف كثير من الدراسات التي تبحث في الشعريات العربية الحديثة وفق تسلسل تاريخي أو مدرسي، يقترح الدكتور ولد محفوظ منهجًا تداخليًا، يدرس الظاهرة الشعرية لا بوصفها خطوات مرتّبة على شكل قطيعات، بل باعتبارها حركة مستمرة ومتفاعلة.

وتكمن أهمية هذا المنهج في أمور عدّة: أنه يتجاوز النظرة الصلبة إلى المدارس الأدبية. ويمنح النص الأدبي حقّه في التعدّد والتشكل خارج الحدود التقليدية. كما يساهم في قراءة أكثر ثراءً للتاريخ الأدبي العربي، في ضوء ما يسمّيه المؤلف التساكن الجمالي بين الاتجاهات.

إن هذه المقاربة تفتح بابًا واسعًا أمام الدرس النقدي العربي للخروج من ثنائية «قديم/جديد» و«تراث/حداثة»، وهي ثنائيات عطّلت – لزمن طويل – المقاربة الموضوعية للنصوص.

 

الشعر الموريتاني أنموذجًا تطبيقيًا

إضافة علمية في حقل مهمل يختار المؤلف الشعر الموريتاني الحديث أنموذجًا تطبيقيًا لرصد ظاهرة التداخل بين التيارات. وهنا تكمن أهمية أخرى جوهرية في الكتاب؛ فالشعر الموريتاني، رغم ثرائه وعمقه وامتداده في ثقافة القارة، لم ينل نصيبه من الدراسات الأكاديمية العربية.

يقدّم الكتاب نموذجًا نقديًا يوحي بأن هذه التجربة، على خصوصيتها الثقافية والجمالية، منفتحة على كل التيارات العربية، وتمثل بدورها حالة واضحة من حالات التداخل، إذ تمتزج فيها ملامح القصيدة العمودية مع النزعة الرومانسية، وتجاور فيها الحداثة مع الوثوق بالتراث، دون أن ينفي أحدها الآخر.

بهذا يكون الكتاب قد أسدى خدمة مضاعفة: خدمة للدرس النقدي العربي عمومًا، وخدمة للأدب الموريتاني خصوصًا، بوضعه في بؤرة التحليل النقدي المعمّق.

 

مراجعة نقدية للوعي الأدبي العربي

يذهب الدكتور محمد ولد محفوظ إلى أبعد من مجرّد التحليل، إذ يدعو – بصورة ضمنية – إلى مراجعة وعي النقد العربي، وتصحيح هيمنة الفكرة الغربية القائلة بأن كل تيار جديد لا ينشأ إلا على أنقاض ما قبله.

فالشعر العربي، بتاريخ حضارته واستمرارية ثقافته، لا يقوم على القطيعة، بل على الاستيعاب والتحوّل. وتبرز هنا أهمية الكتاب كوثيقة فكرية تسعى إلى تصحيح مسار تاريخي طويل من سوء الفهم النقدي، وتعيد تأكيد أن الشعر العربي في لحظاته الكبرى لم يكن يومًا نصًّا منغلقًا، بل خطابًا متعدّد الطبقات، يتغذى من الماضي وهو يتجه إلى المستقبل.

تداخل التيارات في الشعر العربي الحديث.. لبنة علمية مهمة

يأتي كتاب «تداخل التيارات في الشعر العربي الحديث» ليشكّل لبنة علمية مهمّة في مسار النقد العربي المعاصر، ويمهّد لبناء نظرية عربية في فهم التيارات الأدبية، تنطلق من الواقع النصي لا من النماذج المستوردة.

إنه كتاب يزعزع اليقين، ويدعو إلى قراءة الشعر خارج القوالب، ويعيد الاعتبار لمفهوم التفاعل الجمالي الذي يُعدّ جوهر العملية الإبداعية.

كما أنه يسلّط الضوء على الشعر الموريتاني بوصفه فضاءً غنيًا لظاهرة التداخل، وحالة نموذجية لفهم العلاقة المعقدة بين التيارات.

 

دار النخبة تدعم التجارب الإبداعية

ويأتي صدور هذا الكتاب ضمن خطوات دار النخبة الجادة لخلق فضاءات نشر جديدة ودعم التجارب الإبداعية وحضور الأدب الموريتاني في الساحة الثقافية العربية.

 

المصدر: هنا