المصدر: القدس العربي
المختار محمد يحيى
نواكشوط ـ «القدس العربي» : لم يكن الشاب الثلاثيني محمد ولد عالي بلال، يظن في يوم من الأيام أن حلمه سيتحقق على أرض الواقع، خصوصا وأنه يتحدر من أوساط اجتماعية عانت في الماضي من العبودية والاسترقاق، ولم تحظ بالفرص نفسها التي حظيت بها الفئات الاجتماعية الأخرى.
مهرجان «ليالي المدح» أحد أهم المهرجانات الفنية، التي تنشط الحركة الثقافية في العاصمة الموريتانية نواكشوط بالتزامن مع أيام شهر رمضان المبارك. هو أحد مشاريع مركز ترانيم للفنون الشعبية الذي أسسه محمد عالي بعد استطاعته إقناع مجموعة من الشباب مختلفة التوجهات والانتماءات العرقية. قال لـ«القدس العربي» إن بداية قصته مع المديح تعود إلى معرفته بأن المدح النبوي كان الوسيلة الوحيدة لمجتمع الحراطين (عبيد سابقا)، للترويح عن أنفسهم في المساء، بعد إجهاد عملهم في كنف الأسياد وأرباب عملهم، حيث يهربون من خلاله من عبوديتهم للبشر إلى عبوديتهم لرب البشر»، معتبرا أنهم «يتضرعون لله بواسطة مدحهم للرسول عليه الصلاة والسلام».» واضاف: «أنا فكرت في المشروع قبل ست سنوات، وبالتحديد في نهاية سنة 2010، وبدأت أكتب عن المدح وأبحث عن جميع ما دون أو كتب في هذا المجال سواء كان يتعلق بالمدح أو بالمداحة أو بعلاقة المدح بممارسيه، لكن لطبيعة المشروع خصوصيته وخلفيته التاريخية التي تعود إلى زمن الاستعباد، ولذلك السبب كنت دائما أتردد في الإعلان عن المشروع، لأنه وببساطة يتهرب الموريتانيون من الحديث عن كل شيء ذي علاقة بماضي شريحة (الحراطين) التي تمارس المدح».
الفن والثقافة، حسب الشاب الموريتاني «يمكن أن يستخدما في مجال تعزيز الوحدة الوطنية، لكن فن المديح في موريتانيا له خصوصية أخرى متجذرة في روح المواطن الموريتاني، فالمدح الشعبي الموريتاني في أصله شكل من أشكال التعبير عن معاناة اجتماعية ، أي اختزالا للغة الرفض والتعبير عن عدم الرضى».
و «مهرجان ليالي المدح» الذي اختم دورته الرابعة في 16 حزيران/يونيو الجاري، وشارك فيها عشرات المادحين، وتضمن ندوة فكرية حول تاريخ المديح، حاول أن يكون منبرا حرا يمكن للمداحة والكتاب والباحثين والمهتمين بالحقل، أن يقدموا من خلاله أصواتهم وإبداعاتهم ورؤاهم سعيا إلى خلق إطار مرجعي في المستقبل يخدم تنمية وتطوير وصيانة هذا الموروث. تنظيم المهرجان في شهر رمضان الكريم، جاء لـ«الاستفادة من بركة هذا الشهر الكريم حيث تتعز فيه قيم التسامح والتآخي التي يتميز بها المجتمع الموريتاني المسلم والمسالم»، تبعاً لبلال».
ويهدف المهرجان إلى بث روح السلم والتسامح في الإسلام، وتسليط الضوء على ثقافة المدح وتاريخه ودوره في إحياء الترابط والتسامح بين فئات المجتمع، كما يعمل لإعادة الشباب إلى موروثهم الثقافي المهدد بالاندثار والمحافظة عليه، وخلق جو ملائم لتواصل كافة طبقات الشعب. ووفق مدير البرامج في مركز «ترانيم» للفنون الشعبية، همر ياتمه، فإن المدح في موريتانيا «فن يسمو إلى مصاف الموسيقى الروحية، حيث استوحى مصدر وجوده من الانتقال من حالة الاسترقاق والحرمان من الحريات الأساسية نحو الارتقاء إلى الروح البناءة، وإيصال النفس الـبشرية إلى مرحلة الصفاء والسلام الداخلي، بـعيدا عن أفكار الانتقام والعنف والانـزواء والحقد».
وقال لـ« القدس العربي»: «في السنوات الأخيرة بدأت ثقافة التطرف والعنف تنتشر بين الشباب مرسخة مرجعيات وقيم دخيلة علي مجتمعنا وثقافتنا، وقد انعكس مجهودنا إيجابا على الساحة فقد شهد مهرجان ليالي المديح انخراط العديد من الشباب في الاهتمام بهذا الموروث وتأثيره في نفوسهم بحيث عملوا جنبا إلى جنب رغم اختلافاتهم العرقية والفكرية». وتابع:«أصبح من الضروري خلق إطار ثقافي وفني من أجل إشاعة السلم و المحبة بين أفراد المجتمع الواحد في وجه هذه الثقافة المنغلقة والمتطرفة أحيانا كثيرة»، مضيفاً: «نؤسس لتغيير في المجتمع عن طريق الفن والثقافة».