عمان - جعفر العقيلي
يطرح كتاب «المثقف والتلفزيون.. عن الهوامش الثقافية والفكرية في الفضائيات العربية»، جملة من التساؤلات الإشكالية حول العلاقة بين المثقف والتحولات التي تشهدها قنوات الإعلام وعلى رأسها التلفزيون.
ويوثق الكتاب الذي أشرف عليه وقدّمه د.بدّي المرابطي، المناقشات خلال الجلسات التفكيرية التي نظمها المعهد الأوروبي للدراسات الإبستمولوجية ببروكسل في أواخر عام 2019، إذ تم جمعُها بهدف تنشيط التفكير النقدي حول مكانة الثقافة والفكر في الوسائط الإعلامية المهيمنة.
مما يتضمنه الكتاب من مناقشات وبحوث: «أين الإعلام العربي من الثورة الإعلامية؟» لعبد الباري عطوان، و«سعاة البريد» لأحمد علي الزين، و«الإعلام الثقافي العربي» لأحمد فرحات، و«قراءة في التلفزيون بصفته وسيلة لنشر الثقافة» لعبير النجار، و«حدود الجدل الثقافي بين المنتج والمستهلك» لحسن السوسي، و«الإعلام الثقافي.. محاولة في التشخيص والتطوير» لحسن مرزوقي، و«من الثقافة إلى الإعلام: نحو تشييد أسس الوحدة الروحية بين بلداننا» لعمر أزراج.
كما نقرأ في الكتاب الذي صدر عن منشورات «ضفاف» ببيروت و«الاختلاف» بالجزائر، أوراقاً على غرار: «الإعلام الثقافي في التلفزيونات: يمكن أن نقترح أنفسنا كأداة توحيد» لياسين عدنان، و«تناقضات الإعلام الثقافي العربي: البعد السياسي في الثقافة» لحسين قبيسي، و«الثقافة والتلفزيون: ما العلاقة؟» لمالك التريكي، و«الثقافة الراهنة ومعادلة التابع والمتبوع» لفيصل جلول، و«الكاتب والتلفزيون: برنامج (الكتاب خير جليس)» لخالد الحروب.
وفي تقديمه للكتاب، يرى المرابطي الذي يدير المعهد الأوروبي للدراسات الإبستمولوجية، إن المجتمعات المعولمة الراهنة أصبحت تعيش تقريباً بكامل أفرادها داخل الفضاء التواصلي الإعلامي والإعلاني وليس العكس. أي أن ما ادّعاه «كارل بولاني» بخصوص حصول تحول ضخم في العلاقات الإنسانية، أنتجه التحول الرأسمالي بعد وصوله إلى مرحلة معينة من التوسع، وتبعاً لذلك، أصبحت المجتمعات المندمجة بحسب تصور «بولاني» هي المندمجة في السوق لا العكس.
ويشير المرابطي إلى أن الحياة العلمية والفكرية والثقافية في العالم العربي تبدو أبرز ضحايا الأوضاع السياسية والاقتصادية والمؤسسية الاستثنائية، ولا سيما أن (العالم العربي) عموماً يبدو مفككاً وأقرب إلى جزر شبه منغلقة ومعزولة عن بعضها بعضاً، ومنهار تنموياً، ومعظم دوله «مسلوب الحريات السياسية والاجتماعية والفكرية».
وبحسب المرابطي، تقف خلف ذلك عوامل عابرة للحدود أشدها حضوراً «عوامل التمدد المفرط في كل بلدان العالم تقريباً لسوق الإعلان، في ثنائيته الاقتصادية والسياسية، والذي لم يؤثر فقط على وسائل الإعلام الممولة من القطاع الخاص، بل امتد أثره أيضاً إلى قطاع الإعلام العمومي حتى في البلدان التي تخضع الوسائط فيها للتحكم المفرط للسلطة السياسية».
ويؤكد المرابطي أن وظيفتَي التثقيف والإخبار للإعلام تم إخضاعهما لوظيفته الترفيهية، ولم يعد لهما معنى تقريباً إلا بقدر ما يخدمان الأخيرة، وهو ما يعني تقليص الجزء التربوي والفكري النقدي لوسائل الإعلام السائدة، أي ما سمي في فترة معينة (وظيفتها التحريرية)، لصالح جاذبيتها، وأصبح القانون الأساس لتقييم المادة التلفزيونية على سبيل المثال هو عدد المشاهدين أو ما يسمى «قانون المتتاليات المشهدية».
ويوضح المرابطي أن «حلم المدرسة التلفزيونية» تحطّم بسبب هيمنة الوظيفة الإعلانية التي تميل إلى تكسير أرقامها القياسية الذاتية، وتدمير أيّ سقف يقف في وجه ممارساتها العازفة على الغرائز الاستهلاكية مادياً ورمزياً، والمناهِضة للمشاريع التربوية الحديثة ولمقتضيات التفكير النقدي الخاص.
ويشير المرابطي إلى أن ما يسمى «البرامج التلفزيونية الثقافية» قد تبدو مقاومة لقبضة النموذج الإعلاني المسيطر، ولكنها أيضاً تنتمي بداهة في محدداتها أو مشروعها إلى إطار تلفزيوني يحكمه قانون عدد المتابعي، ما يفرض على هذه البرامج دمج محتوياتها داخل مفردات السوق الإعلانية، وهو ما يدفع للتساؤل عما إذا كانت البرامج التلفزيونية التي يُنظر إليها بوصفها ثقافية أو فكرية استثناءً جدّياً بمستوى ما، أم إنها تدخل في إطار الهوامش التي لا تخرج عن القاعدة إلّا لتؤكدها، أي أن الاستثناءات بحسبه «ليست في الحقيقة إلا تمويهاً كي تبشّر ضمنياً بالإطار نفسه الذي تحاول أن تَظهر خارجة عنه.