يونيو 1977
اضرب عن الذكر صفا عز أم هانا
واشمخ فلولاك هذا الدهر ما لانا
وانفث بآهاتك الحرا لتضمرها
في ظلمة الكون أنوارا ونيرانا
وانشـرْ كتـابَك للـدنـيـا فتقرؤُه
كلُّ العصـور أنـاجـيلاً وقـرآنا
فـمـا الرسـالةُ حـلـمٌ أنـت بالغُهُ
لكـنهـا الـمـوتُ إخلاصًا وإيـمـانـا
وما الحياة سوى صحراء قاحلة
سقيتها من دموع الحب بستانا
وما شقاؤك فيها وهي هانئة
إلا كما يبعث المصلوب إخوانا
كبرتها فاستنامت وهي حاقدة
إلى جنابكِ تمزيقا وكفرانا
واغتال في قلبك الدامي تخرصها
همس السواقي فمات الشوق ولهانا
تمردت جذوة الإلهام وانتصرت
واستأسرت لك أشواكا وعيدانا
فكل صبحك أقلامٌ ومحبرة
وما لديك رماد القلب نيرانا
ترنو إلى الطير تشدو وهي عائدة
وأنت تبحر في الآفاق طمأنا
وفي مضارب لحن أنت صانعه
يخبو فتسأله أيان لقيانا
وفي الحنوط ترامت وهي ثاكلة
منازل الحي في الشهبا وبغدانا
والشاطئ الواعد المهجورُ منتظرٌ
يتلو نشيدك تبيانا وتحنانا
الخيل والليل والبيداء تعرفني
يوما وتعرف طعم الصاب أزمانا
يا ابن الحسين وما زالت محاجرنا
مهد النجوم فهل ما زلت ترعانا
ويا أبا الطيب العملاقِ مصرعه
تلك الطريق وما أقصى حكايانا
هي الأمانة أدهى من تحملنا
كما النهاية أسمى من مرايانا
وهي الثعابين في أغصانِ دوحتنا
تلهو كما الظلِّ في الجنات أغوانا
تعانق الصبح وهو السيف منصلتا
ونمدح البدر قارونا وهامانا
ونغرس الزهر سما في مخادعنا
ونفتح النار سوطا في حنايانا
يصفق القرش يرعى في جماجمنا
جوعا ويقذفنا درا ومرجانا
تنير كالكوكب الجبار أعصرنا
ويسكن الليل كهفا من خلايانا
مسافرون بلا زادٍ تقاذفنا
موج البحار ولكن أين مرسانا
وناشر من رعاع السوء قلت له
إياك أن تلتقي فيها وإيانا
وأنت في معبد الأوثان مرتكس
لولا دمي يغسل الأوثان قربانا
وقالت النفس ضاع الأمر قلت لها
إليك فالقمة الشماء أخرانا
ومن يعش في حياة الذل عاش سدى
شاءت له النفس أمو قادته إذعانا
تحطم القلب إن عزت مقاصده
واعتاض من صفوة الخلان أحزانا
وعادة العصف أن يودي بباسقه
ويترك النبتة العرجاء أسيانا
كذلك الغيث ما ينفكُّ منتجعا
ليضحك الروض ألوانا وألحانا
وناقمين أناسا في محبتهم
كفرا وهل يبصر العميان آلاما
ويسألون عن البقيا وعندهم
من الحزازة خوف من بقايانا
وفي العمائم سوءاتٌ لو انكشفتْ
للناس ما صحب الإنسان إنسانا
الناكصون وما الإقدام شيمتهم
عند المنايا إذا حانت منايانا
والمهطعون إذا انجابتْ عجاجتها
إلى الدنى زرافاتٍ ووحدانا
المرجف الأرض من آياتنا فرقا
والحامل التاج من هامات قوانا
وفي الزمان أعاجيب ومن عجب
أن يستحيل بغاث السفح عقبانا
وينبت الزرع في الحجار منتشيا
وتثمر النخلة المعطاء نيرانا
ما أضيع الوحي تتلوهُ وتحملهُ
إلى قطيعك حملانا وثيرانا
وما أذلَّ بيان السحر تبدعه
بين التيوس وأغناها وأغنانا
ترعى النجوم وترعى العشب سادرة
شتان ما بينَ مرعاها ومرعانا
هي الإرادة شاءت أن تمحصنا
فكان أسعدنا فيها وأشقانا
رباه عفوك هل تتلو بقيته
جهلا إلى العالم السفليِّ أولانا
رباه هل يحرق البركان نخلتنا
رباه هل يعقل الجزار سقيانا
رباه ما هذه البومات ترمقنا
حمر المناقير من أشلاء قتلانا
رباه كم ننحت الصوان في ألم
نصبا وما يدرك الصوان مغنانا
نحن الذين سكبنا ذوب أنفسنا
في جثة الدهر أرواحا وريحانا
صغنا أغنيهِ ما جفت حناجرنا
قدمنا هواديه ما هدت مطايانا
ما شعلة في ثنايا الليل قد سطعت
إلا وكنا لها هديا وصلبانا
فكوكب الشمس منا كان مطلعه
ومنبع الحب فينا عاش ريانا
من ناينا النازفِ المكلومِ كم نهلت
هذي الكواكب أرسالا وقطعانا
ومن صدى التيه في أعماقنا نسجت
تلك الملاحم أبطالا وفرسانا
نحن المنارة في الدنيا معالمها
من هدينا وعطاها من عطايانا
نسمو بها أملا حتى نشذبها
عزما ونمطرها في الجدب ذكرانا
أعلامها البيض من أحزاننا شرر
مسافرٌ وحكاها من حكايانا.
___
قصائد أخرى للشاعر: